اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

قوله : { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه مرفوع المحل بدلاً من ضمير «لا يَسَّمَّعُونَ »{[46782]} وهو أحسن لأنه غير موجب .

والثاني : أنه منصوب على أصل الاستثناء ، والمعنى : أن الشياطين لا يسمعون الملائكة إلا من خطف{[46783]} ، قال شهاب الدين : ويجوز أن يكون «من » شرطية وجوابها : «فَأَتْبَعَهُ »{[46784]} أو موصولة{[46785]} وخبرها «فَأَتْبَعَهُ » . وهو استثناء منقطع وقد نصوا على أن مثل هذه الجملة تكون استثناء منقطعاً كقوله : { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ }{[46786]} [ الغاشية : 22 ، 23 ] والخَطْفَةُ مصدر معرف بأل الجنسية أو العهدية{[46787]} ، وقرأ العامة خَطِفَ بفتح الخاء وكسر الطاء مخففة ، وقتادةُ والحسنُ بكسرهما وتشديد الطاء{[46788]} . وهي لغة تميم بن مُرة وبكرة بن وائل{[46789]} . وعنهما أيضاً وعن عيسى : بفتح الخاء وكسر الطاء{[46790]} مشددة وعن الحسن ( أيضاً ){[46791]} خطف كالعامة{[46792]} . وأصل القراءتين اختطف فلما أريد الإدغام سكنت التاء وقبلها الخاء ساكنة فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين ثم كسرت الطاء إتباعاً لحركة الخاء وهذه [ الأولى ] واضحة . وأما الثانية{[46793]} فمشكلة جدا لأن كسر الطاء إنما كان لكسر الخاء وهو مفقود . وقد وجه على التَّوَهُّم وذلك أنهم لما أرادوا الإدغام نقوا حركة التاء إلى الخاء ففتحت وهم يتوهمون أنهم مكسورة لالتقاء الساكنين - كما تقدم تقريره- فأتبعوا الطاء لحركة{[46794]} الخاء المتوهمة ، وإذا كانوا قد فعلوا ذلك في مقتضيات الإعراب فلأن يَفْعَلُوه في غيره أولى . وبالجملة فهو تعليل شذوذ{[46795]} وقرا ابنُ عَبَّاسٍ خِطِفَ بكسر الخاء والطاء خفيفةً{[46796]} . وهو إتباع كقولهم : نِعِمْ بكسر النون والعين وقرئ فاتَّبعه بالتشديد{[46797]} .

فصل

ومعنى الخطف أي اختلس الكلمة من كلام الملائكة مسارقةً «فأتبعه » أي لحقه شهاب ثاقب كوكب مضيء قوي لا يخطئه يقتله{[46798]} أو يحرقه ، قيل : سمي ثاقباً لأنه يَثْقُبُ بنوره سَبْع{[46799]} سمواتٍ . وقال عطاء : سمي النجم الذي يرمى به الشياطين ثاقباً لأنه يَثْقُبُهُمْ وإنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه طمعاً في السلامة ونيل المراد كراكب البَحْر .


[46782]:قال بذلك الزمخشري في الكشاف 3/336 والبحر 7/353 والسمين في الدر 4/540.
[46783]:أي إن الاستثناء في تلك الحال متصل وفيه الوجهان المعهودان النصب على الاستثناء والرفع على البدلية أو الإتباع عامة إذا كان تاما منفيا كآيتنا هذه. وقال بالوجه الأول والأخير أيضا أبو البقاء في التبيان 1088 وانظر: البحر والكشاف والدر المراجع السابقة أيضا.
[46784]:فتكون في محل جزم.
[46785]:مبتدأ.
[46786]:الدر المصون للسمين 4/540.
[46787]:قاله أبو البقاء 2/1088.
[46788]:من الأربع فوق العشرة المتواترة انظر: الإتحاف 368 والكشاف 3/336.
[46789]:البحر 7/353.
[46790]:البحر 7/353 والكشاف 3/336.
[46791]:سقط من ب.
[46792]:ابن خالويه 127 ويقصد بالقراءتين خطف وخطف السابقين وانظر تلك القراءات كلها في الدر المصون 4/541.
[46793]:يقصد بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة خطف.
[46794]:في ب: بحركة.
[46795]:قاله في البحر 7/353 والسمين في الدر 4/541 والبناء في إتحاف فضلاء البشر 368.
[46796]:من القراءات الشاذة غير المتواترة وانظرها في مختصر ابن خالويه 127 والبحر 7/353 والسمين 4/541 ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/412.
[46797]:لم يعزها كل من أبي حيان والزمخشري في مرجعيهما السابقين وقد عزاها صاحب الشواذ- شواذ القرآن- إلى قتادة والحسن وانظره ص 205.
[46798]:في ب: فيقتله.
[46799]:رأي الرازي 26/24.