{ إلا من خطف الخطفة } أي اختلس الكلمة { فأتبعه شهاب } أي لحقه شعلة نارية تنقض من السماء { ثاقب } أي مضيء . كأنه يثقب الجوّ بضوئه .
ذكر المفسرون أن الشياطين كانوا يصعدون إلى قرب السماء . فربما سمعوا كلام الملائكة وعرفوا به ما سيكون من الغيوب ، وكانوا يخبرونهم به ويوهمونهم أنهم يعلمون الغيب . فمنعهم الله تعالى من الصعود إلى قرب السماء بهذه الشهب . فإنه تعالى يرميهم بها فيحرقهم .
قال ابن كثير : يعني إذا أراد الشيطان أن يسترق السمع ، أتاه شهاب ثاقب فأحرقه . ولهذا قال جل جلاله { لا يسمّعون إلى الملإ الأعلى } أي : لئلا يصلوا إلى الملإ الأعلى ، وهي السماوات ومن فيها من الملائكة ، إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى بما يقوله من شرعه وقدره . / كما وردت الأخبار بذلك في تفسير قوله تعالى {[6348]} { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ، قالوا الحق ، وهو العلي الكبير } . انتهى .
قال بعض علماء الفلك : كما أن العرش تحفه الأرواح الغيبية- حسبما تقدم بيانه في آية {[6349]} { ثم استوى على العرش } في الأعراف- فكذلك الكواكب الأخرى مسكونة مع الحيوانات والدوات بأرواح ، منها الصالح ( الملك ) ومنها الطالح ( الشيطان ) وكذلك أرضنا هذه ففيها من الملائكة ومن الشياطين ما لا نبصره {[6350]} { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } ولا يخفى أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود . فعدم إدراكنا لهذه الأرواح لا يدل على عدم وجودها . كما أن عدم معرفة القدماء للميكروبات وللكهرباء التي تشاهد الآن آثارها العظيمة ، لم يكن يدل على عدم وجودها إذ ذاك في العالم . فمن الجهل الفاضح إنكار الشيء لعدم معرفته أو العثور عليه . على أن لنا الآن من مسألة استحضار الأرواح أكبر دليل على وجود أرواح في هذه الأرض ، لا نبصرها ولا نشعر بها . وقد قدر الله تعالى أن الحيوانات في هذه الأرض ، إذا خرجت عنها إلى حيث ينقطع الهواء ويبطل التنفس ، تموت في الحال . وكذلك قدر أن الأرواح الطالحة التي في أرضنا هذه ، إذا أرادت الصعود إلى السماء والاختلاط بالأرواح التي في الكواكب الأخرى ، انقضّ عليها ، قبل أن تخرج من جوّ الأرض ، شهاب من هذه الكواكب أو من غيرها ، فأحرقها وأهلكها ، بإفساد تركبيها ومادتها . حتى لا يحصل اتصال بين هذه وتلك ، ولا تطلع على أسرار العوالم الأخرى . وهذه الشهب التي تنقضّ ، إن كانت صادرة من أجرام ملتهبة ، كانت ملتهبة . وإن كانت صادرة من أجرام غير ملتهبة ، التهبت فيما بعد لشدة سرعتها واحتكاكها بالغازات التي تمر فيها في جوّنا هذا . ولعل في مادة الشياطين ما يجتذب إليه هذه الشهب ويتّحد بها . كما تجتذب العناصر الكيماوية / بعضها بعضا ( مثال ذلك عنصر الصوديم فإنه يجتذب إليه الأوكسجين من الماء فيحلله ) ولا نقول إن جميع الشهب تنقض لهذا السبب ، بل منها ما ينقض لأسباب أخرى . كاجتذاب بعض الأجرام السماوية له . ومنها ما ينقض لإهلاك الشياطين ، كما بينا هنا . والشياطين مخلوقة من مواد غازية كانت ملتهبة {[6351]} { والجان خلقناه من قبل من نار السموم } والمراد ( بالسماء الدنيا ) في هذه الآية الفضاء المحيط بنا القريب منا . أي هذا الجو الذي نشاهده وفيه العوالم كلها . أما ما وراءه من الجواء البعيدة عنا ، التي لا يمكن أن نصل إليها بأعيننا ولا بمناظيرنا ، فهو فضاء محض لا شيء فيه . فلفظ ( السماء ) له معان كثيرة كلها ترجع إلى معنى السموّ وتفسّر في كل مقام بحسبه .
ثم قال : فكل مسألة جاء بها القرآن حق ، لا يوجد في العلم الطبيعيّ ما يكذبها . لأنه وحي الله حقا ، والحق لا يناقضه الحق {[6352]} { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } اه .
وقال أيضا : يعتقد الآن علماء الفلك أن أكثر الشهب تنشأ من ذوات الأذناب . ويحتمل أن بعضها ناشئ من بعض الشموس المنحلّة ، أو الباقية الملتهبة ، أو من براكين بعض السيارات ، أو مما لم ينطفئ من السيارات للآن . ومتى علمنا أن ذوات الأذناب والسيارات جميعا مشتقة من الشموس ، كان مصدر جميع الشهب هو الشموس أو النجوم .
( قال ) : وهذا يفهمنا معنى هذه الآية . اه كلامه .
ونظير هذه الآية قوله تعالى : {[6353]} { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ، وأعتدنا لهم عذاب السعير } وقوله عز وجل{[6354]} : { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين* وحفظناها من كل شيطان رجيم* إلا من استرق السمع/ فأتبعه شهاب مبين } وقوله : سبحانه إخبارا عن الجن {[6355]} { وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا* وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.