تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

الآية 10 { إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } [ قيل : ]{[17627]} استثنى الخطفة ، وقال هناك{[17628]} : { فمن يستمع الآن يجد له } كذا [ الجن : 9 ] .

ثم الخطفة إما{[17629]} أن تكون على التمثيل أي موضع الخطف [ وإما ]{[17630]} على حقيقة الخطفة ، وهي الاستلاب والأخذ على السرعة ، والله أعلم .

لكن يشبه أن تكون الآية التي [ ذكرها عز وجل في سورة الجن ]{[17631]} : { وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا } { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا } [ الآيتان : 8 و9 ] في المؤمنين منهم .

ألا ترى أنهم قالوا : { وأنا سمعنا الهدى آمنا به } ؟ [ الجن : 13 ] .

وأما ما ذكر في سورة الصافات فهو في الكفار منهم والمردة { إلا من خطف الخطفة } من الشياطين الذين يستمعون ، والله أعلم .

ثم [ في ]{[17632]} قوله عز وجل : { وأنا لمسنا السماء } ثم قوله عز وجل { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن } دلالة إثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان يخبرهم أن الجن يصعدون إلى السماء الدنيا ، ويسمعون من أخبار الملائكة وحديثهم في ما يتراجعون في ما بينهم من أمر الله في الأرض ، ثم يخبرهم الكهنة بذلك ، فيخبر الكهنة أهل الأرض عن ذلك أنه يكون كذا كذا وفي يوم كذا وكذا ، وأنه انقطع ذلك الوحي ، ويُمنعون ، فقالت الجن ذلك ، وأخبرهم عن أنفسهم أنهم كذلك كانوا يفعلون ، فصدّقوه على صنيعهم .

فإن قيل : كيف صار ذلك آية له ، وإنما أخبر عن قول الجن لهم ، وبه ظهر ذلك ، ومنه عرف ؟ قيل : هكذا [ كان ]{[17633]} لكن انقطاع الكهنة من بعد وحديثهم يدل على أن ذلك قد كان ، ثم انقطع ذلك بالرسالة والوحي ، والله أعلم .

فإن قيل : فإذا وُلّي الملائكة حفظ السماء وحرسها كيف أغفلوا ما دلّوا ن حفظها وحرسها ، وامتُحنوا حتى تمكن أولئك من الاستماع والاختطاف وما ذكر ؟ قيل : جائز أن يشتغلوا ، ويمتحنوا بأمور سوى ذلك ، فيمكّن ذلك لهم ما ذكر ، والله أعلم .

فإن قيل : كيف كانت صفة الشياطين من الاستماع منهم والخطف ، وقد بدت [ وعانت مما أصابها ]{[17634]} من فعل ذلك من القذف والرمي والاحتراق ؟ قيل : إن الشياطين ، عادتهم طلب الفعل في كل وقت ، فجائز أن يكونوا فعلوا ذلك لما كانوا يظنون ، ويقع عندهم أنهم في غفلة وسهو من أمورهم ، وإن كانوا يعلمون ما يصيب من فعل ذلك ، والله أعلم .

ثم جائز أن يستدل بقوله عز وجل { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع } الآية [ الجن : 9 ] لقول علمائنا في من حلف : ألا يكلم فلانا ، فناداه من حيث لا يسمعه{[17635]} ، لا يحنث . وإذا ناداه من حيث يسمعه حنث ، وإن لم يسمعه لما ذكر : { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع } الآية . ومعلوم أنهم كانوا يقعدون من الأرض إلى الملأ الأعلى لكن لا يسمعون . ثم لم يذكر ذلك منهم إلا في المكان الذي يسمع ، دل أنه على ما ذكرنا من الدلالة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لا يسّمّعون إلى الملأ الأعلى } الأشراف منهم وأهل المنزلة والكرامة ، ويحتمل الجماعة ، لأن الملأ ، هو اسم للشيئين : للجماعة منهم ، واسم لأهل الشرف والمنزلة والكرامة .

ثم لا ندري كيف سماع الجن من الملائكة ، وما سبب ذلك [ إلا ]{[17636]} أن تكون تلك الأخبار وما يريد الله عز وجل إحداثه في الأرض مكتوبا في كتاب ، ينظرون فيه ، فيعلمونه ، أو يتحدث الملائكة في ما بينهم بذلك ، فيستمع هؤلاء منهم ذلك ، أو كيف جهة سماعهم ذلك منهم ، وما يشبه ذلك ، والله أعلم .

وفيه أن الجن يفهم كلام الملائكة ، وإن اختلفت جوارحهم ، والله أعلم .


[17627]:ساقطة من الأصل و م.
[17628]:في الأصل وم: ههنا.
[17629]:في الأصل وم: إلا.
[17630]:في الأصل وم: أو.
[17631]:في الأصل وم: عز وجل.
[17632]:ساقطة من الأصل وم.
[17633]:ساقطة من الأصل وم.
[17634]:في الأصل و م: وعاينت ما أصاب.
[17635]:في الأصل وم: يسمع.
[17636]:ساقطة من الأصل وم.