الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} (63)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: الذين صدّقوا الله ورسوله، وما جاء به من عند الله، وكانوا يتقون الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.

"الّذِينَ آمَنُوا" من نعت الأولياء. ومعنى الكلام: ألا إن أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، كما فسرهم ربهم، فكل من كان تقيا كان لله وليا: أنه {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [أي] فيما يستقبلون من أهوال القيامة،

{وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما وراءهم في الدنيا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وفسرهم بقوله: {الذين آمنوا} أي أوجدوا هذا الوصف المصحح للأعمال وبه كمال القوة العلمية {وكانوا} أي كوناً صار لهم جبلة وخلقاً {يتقون} أي يوجدون التقوى، وهي كمال القوة العملية في الإيمان والأعمال ويجددونها فإنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره؛ وانتهى الجواب بقوله: {إن الذين يفترون على الله الكذب} -الآية، وهذا الذي فسر الله به الأولياء لا مزيد على حسنه، وعن علي رضي الله عنه "هم قوم صفر الوجوه من السهر عمش العيون من العبر خمص البطون من الخوى "وقيل: الولي من لا يرائي ولا ينافق، وما أقل صديق من كان هذا خلقه، وصح عن الإمامين: أبي حنيفة والشافعي، كما نقل عنهما الشيخ محي الدين النووي في مقدمة شرح المهذب والتبيان أن كلاًّ منهما قال: إن لم يكن العلماء أولياء الله فليس لله ولي.

وهذا في العالم العامل بعلمه كما بينته عند قوله في سورة الزمر {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9].

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

أي يقون أنفسَهم عما يحِقّ وقايتُها عنه من الأفعال والتروك وقايةً دائمةً حسبما يفيده الجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبلِ (وهو) بيانٌ وتفسيرٌ لهم وإشارةٌ إلى ما به نالوا ما نالوا...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

وأما ما وصفهم وعرفهم به فقوله: {الَّذِينَ آمَنُواْ وكَانُواْ يَتَّقُونَ} فهذا استئناف لبيان حال هؤلاء الأولياء النفسية والعملية، أي هم الذين جمعوا بين الإيمان الصحيح بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وملكة التقوى له عز وجل، وما تقتضيه من عمل، وعبر عن إيمانهم بالفعل الماضي لبيان أنه كان كاملا باليقين، لم يزلزله شك، ولم يحصل بالتدريج، وعن تقواهم بالفعل الذي يدل على الحال والاستقبال؛ لأن التقوى تتجدد دائما بحسب متعلقاتها: من كسب وحرب، وشهوة وغضب، والمعنى الجامع فيها أنها اتقاء كل ما لا يرضي الله تعالى من ترك واجب ومندوب، وفعل محرم ومكروه، واتقاء مخالفة سنن الله تعالى في خلقه من أسباب الصحة والقوة والنصر والعزة وسيادة الأمة. وقد فصلنا هذا في مواضع من أهمها تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم} [الأنفال: 29].

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وأياً ما كان فهذا الخبر يفيد أن يعرف السامع كنه معنى أولياء الله اعتناء بهم

... ودل قوله: {وكانوا يتقون} على أن التقوى ملازمة لهم أخذاً من صيغة {كانوا} وأنها متجددة منهم أخذاً من صيغة المضارع في قوله: {يتقون}. وقد كنت أقول في المذاكرات منذ سنين خَلَتْ في أيام الطلب أن هذه الآية هي أقوى ما يُعتمد عليه في تفسير حقيقة الولي شرعاً وأن على حقيقتها يحمل معنى قوله في الحديث القدسي الذي رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قال الله تعالى: من عادَى لي ولياً فقد آذنته بحرب...".

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

هناك بحث بين المفسّرين فيمن هم المقصودون من أولياء الله، إلاّ أنّ الآية الثّانية وضحت المطلب وأنهت النقاش، فهي تقول: (الذين آمنوا وكانوا يتقون).

الملفت للنظر أنّها ذكرت الإِيمان بصيغة الفعل الماضي المطلق، والتقوى بصيغة الماضي الاستمراري، وهذا إِشارة إِلى أنّ إِيمان هؤلاء قد بلغ حد الكمال، إلاّ أن التقوى التي تنعكس في العمل اليومي، وتتطلب كل يوم وكل ساعة عملا جديداً، ولها صفة تدريجية، فإِنّها قد ظهرت على هؤلاء بصورة برنامج دائمي و مسؤولية متواصلة.

نعم.. إِنّ الذين يرتكزون على هذين الركنين الأساسيين: الدين والشخصية، يحسون بدرجة من الطمأنينة داخل أرواحهم بحيث لا تهزهم أية عاصفة من عواصف الحياة. بل يقفون أمامها كالجبل،