فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} (63)

وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء بقوله : { الذين آمنوا وكانوا يتقون } أي يؤمنون بما يجب الإيمان به ، ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه قال أبو السعود :والمراد بالتقوى ، المرتبة الثالثة منها الجامعة لما تحتها من مرتبة التوقي عن الشرك التي يفيدها الإيمان أيضا ومرتبة التجنب عن كل ما يؤثم من فعل وترك ، أعني تنزه الإنسان عن كل ما يشغل سره عن الحق ، والتبتل إليه بالكلية وهي التقوى الحقيقي المأمور به في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } . وبه يحصل الشهود والحضور والقرب الذي عليه يدور إطلاق الاسم عليه فملاك أمر الولاية هو التقوى المذكور فأولياء الله هم المؤمنون المتقون .

وعن سعيد ابن جبير قال : هم الذين إذا رؤوا ذكر الله . وعن ابن عباس قال : إذا رؤوا يذكر الله لرؤيتهم . وقال أبو حنيفة والشافعي : إذا لم تكن العلماء أولياء الله فليس لله ولي ، قال النووي : وذلك في العالم العامل بعلمه .

وقد أكثر أهل العلم من المتكلمين والصوفية وغيرهم في تعريف الولي ووصفه وأطالوا المقالات في ذلك بما لا حاجة إليه وهذه الآية تغني عنها فإنه إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل .

والحاصل أن ولي الله من كان آتيا بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل ، وبالأعمال الصالحة على وفق ما وردت به السنة المطهرة ، لأن الإيمان مبني على العقيدة والعمل ، ومقام التقوى هو أن يتقي العبد كل ما نهى الله عنه .

وعن عمرو ابن الجموح أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يحق العبد حق صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله ، فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استحق الولاية ، من الله وأن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري واذكر بذكرهم ) {[932]} أخرجه أحمد وغيره .

وأخرج أحمد عن عبد الرحمان ابن غنيم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ( خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله ، وشرار عباده المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون البراء العنت ) {[933]} .

وعن ابن عمرو ابن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { خياركم من ذكركم الله رؤيته وزاد في علمكم منطقه ورغبكم في الآخرة عمله ) {[934]} أخرجه الحكيم الترمذي وعن ابن عمر مرفوعا : ( أن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء يوم القيامة بقربهم ومجلسهم منه ، فجثى أعرابي على ركبتيه فقال : يا رسول الله صفهم لنا ، جلهم لنا ، قال قوم من أفناء الناس من نزاع القبائل تصافوا في الله وتحابوا في الله يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم يخاف الناس ولا يخافون ، هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) {[935]} أخرجه الحاكم وصححه .

وأخرج أبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن عمر ابن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه ، قال ابن كثير : {[936]} وإسناده جيد ، وروي بطريق عن جماعة من الصحابة وقد ورد في فضل المتحابين في الله أحاديث ليس فيها أنهم المرادون بالآية .


[932]:الإمام أحمد 3/ 430
[933]:الإمام أحمد 6/ 459
[934]:ضعيف الجامع الصغير 2873
[935]:المستدرك كتاب البر والصلة 4 / 170
[936]:ابن كثير 2/ 422