الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَمَا لَيۡسَ لَهُم بِهِۦ عِلۡمٞۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٖ} (71)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ويعبدون من دون الله} من الآلهة {ما لم ينزل به سلطانا} يعني: ما لم ينزل به كتابا من السماء لهم فيه حجة بأنها آلهة {وما ليس لهم به علم} أنها آلهة. {وما للظالمين من نصير}، يقول: وما للمشركين من مانع من العذاب.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه ما لم ينزل به جلّ ثناؤه لهم حجة من السماء في كتاب من كتبه التي أنزلها إلى رسله، بأنها آلهة تصلح عبادتها فيعبدوها، بأن الله أذن لهم في عبادتها، وما ليس لهم به علم أنها آلهة. "وما للظّالِمِينَ مِنْ نَصيِر "يقول: وما للكافرين بالله الذين يعبدون هذه الأوثان من ناصر ينصرهم يوم القيامة، فينقذهم من عذاب الله ويدفع عنهم عقابه إذا أراد عقابهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يخبر عن سفههم أنهم يعبدون غير الله، ولا سلطان، ولا حجة لهم في ذلك، ولا علم، لأنهم كانوا لا يؤمنون برسول يخبرهم، ولا كان لهم كتاب، فيعلمون به فيقول: إنهم يقولون: الله أمرهم بذلك، ولا حجة لهم في ذلك، ولا علم...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

يقول الله تعالى مخبرا عن حال الكفار الذين يعبدون مع الله الأصنام، والأوثان: إنهم "يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا "أي لا حجة ولا برهانا، وإنما قيل للبرهان سلطان، لأنه يتسلط على إنكار المنكر، فكل محق في مذهبه، فله برهان يتسلط به على الإنكار لمذهب خصمه. وقوله "وما ليس لهم به علم" معناه ولا هو معلوم لهم أيضا من جهة الدلالة، لأن الإنسان قد يعلم صحة أشياء يعمل بها من غير برهان أدى إليها كعلمه بوجوب شكر المنعم، ووجوب رد الوديعة، ومدح الحسن وذم المسيئ، وغير ذلك، مما يعلمه بكمال عقله، وإن لم يكن معلوما بحجة، فلذلك قال "وما ليس لهم به علم"...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ} ما لم يتمسكوا في صحة عبادته ببرهان سماوي من جهة الوحي والسمع، ولا ألجأهم إليها علم ضروري، ولا حملهم عليها دليل عقلي. {وَمَا} للذين ارتكبوا مثل هذا الظلم من أحد ينصرهم ويصوّب مذهبهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم ذكر تعالى على جهة التوبيخ فعل الكفرة في أنهم {يعبدون} من الأصنام {من دون الله ما لم ينزل} الله فيه حجة ولا برهاناً. و «السلطان»، الحجة حيث وقع في القرآن، وقوله {وما للظالمين من نصير}، توعد.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فبين أن عبادتهم لغير الله تعالى ليست مأخوذة عن دليل سمعي وهو المراد من قوله: {ما لم ينزل به سلطانا} ولا عن دليل عقلي وهو المراد من قوله: {وما ليس لهم به علم} وإذا لم يكن كذلك فهو عن تقليد أو جهل أو شبهة، فوجب في كل قول هذا شأنه أن يكون باطلا، فمن هذا الوجه يدل على أن الكافر قد يكون كافرا، وإن لم يعلم كونه كافرا، ويدل أيضا على فساد التقليد..

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ويعبدون} أي على سبيل التجديد والاستمرار {من دون الله} أي من أدنى رتبة من رتب الذي قامت جميع الدلائل على احتوائه على جميع صفات الكمال، وتنزهه عن شوائب النقص {ما لم ينزل به سلطاناً} أي حجة واحدة من الحجج...

ولما كان قد يتوهم أن عدم إنزال السلطان لا ينفيه، قال مزيلاً لهذا الوهم: {وما ليس لهم به علم} أي أصلاً {وما} أي والحال أنهم ما لهم، ولكنه أظهر إشارة إلى الوصف الذي استحقوا به الهلاك فقال: {للظالمين} أي الذين وضعوا التعبد في غير موضعه بارتكابهم لهذا الأمر العظيم الخطر؛ وأكد النفي واستغرق المنفي بإثبات الجار فقال: {من نصير} أي ينصرهم من الله، لا مما أشركوه به ولا من غيره، لا في مدافعة عنهم ولا في إثبات حجة لمذاهبهم،...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

{وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} إشارة إلى الدليل العقلي أي ما ليس لهم بجواز عبادته علم من ضرورة العقل أو استدلاله، والحاصل يعبدون من دون الله ما لا دليل من جهة السمع ولا من جهة العقل على جواز عبادته، وتقديم الدليل السمعي لأن الاستناد في أكثر العبادات إليه مع أن التمسك به في هذا المقام أرجى في الخلاص إن حصل لوم من التمسك بالدليل العقلي، وإن شككت فارجع إلى نفسك فيما إذا لامك شخص على فعل فإنك تجدها مائلة إلى الجواب بأني فعلت كذا لأنك أخبرتني برضاك بأن أفعله أكثر من ميلها إلى الجواب بأني فعلته لقيام الدليل العقلي وهو كذا على رضاك به وإنكار ذلك مكابرة...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

يذكر تعالى حالة المشركين به، العادلين به غيره، وأن حالهم أقبح الحالات، وأنه لا مستند لهم على ما فعلوه، فليس لهم به علم، وإنما هو تقليد تلقوه عن آبائهم الضالين، وقد يكون الإنسان لا علم عنده بما فعله، وهو -في نفس الأمر- له حجة ما علمها، فأخبر هنا، أن الله لم ينزل في ذلك سلطانا، أي: حجة تدل علي وتجوزه، بل قد أنزل البراهين القاطعة على فساده وبطلانه، ثم توعد الظالمين منهم المعاندين للحق فقال: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} ينصرهم من عذاب الله إذا نزل بهم وحل. وهل لهؤلاء الذين لا علم لهم بما هم عليه قصد في اتباع الآيات والهدى إذا جاءهم؟ أم هم راضون بما هم عليه من الباطل؟...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وبعد أن يأمر الله رسوله [صلى الله عليه وسلم] ألا يدع للمشركين فرصة لمنازعته في منهجه المستقيم، يكشف عما في منهج المشركين من عوج، وعما فيه من ضعف، وعما فيه من جهل وظلم للحق؛ ويقرر أنهم محرومون من عونه تعالى ونصرته. وهم بذلك محرومون من النصير: (ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا، وما ليس لهم به علم. وما للظالمين من نصير). وما لوضع ولا لشرع من قوة إلا أن يستمد قوته من الله. فما لم ينزل به الله من عنده قوة، هو ضعيف هزيل، خلو من عنصر القوة الأصيل. وهؤلاء إنما يعبدون آلهة من الأصنام والأوثان، أو من الناس أو الشيطان.. وهذه كلها لم ينزل الله بها قوة من عنده، فهي محرومة من القوة. وهم لا يعبدونها عن علم ولا دليل يقتنعون به، إنما هو الوهم والخرافة. وما لهم من نصير يلجأون إليه وقد حرموا من نصرة الله العزيز القدير...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمعنى: جادلوك في الدين مستمرين على عبادة ما لا يستحق العبادة بعدما رأوا من الدلائل، وتتضمن الحال تعجيباً من شأنهم في مكابرتهم وإصرارهم...

فوجه ذلك أنهم لما أشربت قلوبهم الإقبال على عبادة الأصنام وإدخالها في شؤون قرباتهم حتى الحج إذ قد وضعوا في شعائره أصناماً بعضها وضعوها في الكعبة وبعضها فوق الصفا والمروة جعلوا كالمعطلين لعبادة الله أصلاً. والسلطان: الحجة. والحجة المنزّلة: هي الأمر الإلهي الوارد على ألْسنة رسله وفي شرائعه، أي يعبدون ما لا يجدون عذراً لعبادته من الشرائع السالفة: وقصارى أمرهم أنهم اعتذروا بتقدم آبائهم بعبادة أصنامهم، ولم يدّعوا أن نبيئاً أمر قومه بعبادة صنم ولا أن ديناً إلهياً رخص في عبادة الأصنام. و {ما ليس لهم به علم}، أي ليس لهم به اعتقاد جازم لأنّ الاعتقاد الجازم لا يكون إلاّ عن دليل، والباطل لا يمكن حصول دليل عليه. وتقديم انتفاء الدليل الشرعي على انتفاء الدليل العقلي لأنّ الدليل الشرعي أهمّ...

ويعبدون من دون الله} أي يَعبدون ما ذكر وما لهم نصير فلا تنفعهم عبادة الأصنام. فالمراد بالظالمين المشركون المتحدّث عنهم...، فهو من الإظهار في مقام الإضمار للإيماء إلى أن سبب انتفاء النصير لهم هو ظلمهم، أي كفرهم. وقد أفاد ذلك ذهاب عبادتهم الأصنام باطلاً لأنهم عبدوها رجاء النصر.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

كأن العبادة- هي: طاعة أمر واجتناب نهي- يجب أن تكون صادرة من أعلى منا جميعا، فليس لأحد منا أن يشرع للآخر، فيأمره أو ينهاه، لأن الأمر من المساوي لك لا مرجح له، وله أن يقول لك: لماذا أنت تأمر وأنا أطيع؟ أما إن جاء الأمر من أعلى منك فأنت تطيع بلا اعتراض، ومعك الحجة أن الأمر من أعلى،... إذن: كل دليل على حكم الفعل أو الترك لا بد أن يكون مصدره من الحق سبحانه وتعالى، فهو الأعلى مني ومنك، وإذا انصعت لأمره ونهيه فلا حرج علي ولا ضرر، لأنني ما انصعت لمساو إنما انصعت لله الذي أنا وأنت عبيد له، ولا غضاضة في أن نتبع حكمه...

{ما لم ينزل به سلطانا} السلطان: إما سلطان قهر، أو سلطان حجة، سلطان القهر أن يقهرك ويجبرك على ما لم ترد فعله، أما سلطان الحجة فيقنعك ويثبت لك بالحجة أن تفعل باختيارك، وهذه الآلهة التي يعبدونها من دون الله ليس لها سلطان، لا قهر ولا حجة...

إذن: العبادة لا بد أن تكون بسلطان من الله نصا قاطعا وصريحا لا يحتمل الجدل، وإما أن تكون باجتهاد أولي العلم.

{وما للظالمين من نصير}، لم يقل سبحانه: لن ينتصر الظالمون، ولم ينف عنهم النصر، لأن هذه مسألة مسلمة إنما لا يفزع لنصرتهم أحد، فلن ينتصروا ولن ينصرهم أحد، ولا يفزع أحد لينصر أحدا إلا إذا كان المنصور ضعيفا...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} فهم لا يملكون أية حجّةٍ من عقلٍ أو وحي على ألوهية من يعبدونهم من دون الله، فهؤلاء لا يتميزون عن غيرهم من الموجودات المماثلة لهم في عناصرها وأشكالها بأية صفة خاصة، ولا علاقة لهم بالوجود في خلقه وحركته من قريب أو من بعيد، فليس هناك أساس علمي أو منطقي تستند إليه فكرة عبادتهم، وهم في عبادتهم تلك يلتزمون ما لا يملكون حجّة عليه،

{وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} لأنهم لو رجعوا إلى عقولهم لما وجدوا فيها من الحقيقة ما يقودهم إلى الالتزام بهذه العبادة، ولو التفتوا إلى خصائص هذه الأشياء لما وجدوا فيها ما يفرض عليهم الاعتقاد بألوهيتها، بل هو الجهل والتخلّف اللذان يصوّران لهم المسألة بصورة الحقيقة دون حجة أو أساس، فهم يظلمون أنفسهم بالتزام عبادة هذه الأشياء التي تقودهم إلى الهلاك في الآخرة، كما تقودهم إلى الانحراف عن خط الحق في الدنيا، ويظلمون الحياة والناس عندما يركزون خط السير في غير الاتجاه الذي يلتقي بوحدانية الله، ويظلمون ربّهم عندما يسيئون إليه، ويبتعدون عن شكره والالتزام بتوحيده، أداءً لحقه عليهم،

{وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}، لأنهم سيواجهون الموقف وحدهم، بعيداً عمّن يعبدونهم وينتصرون بهم، لأن هؤلاء لن ينصروهم ولن ينصروا أنفسهم لعجزهم عن فعل ذلك، ولافتقادهم القوّة الذاتية، وسيقفون وجهاً لوجه أمام العذاب الذي حكم الله عليهم به، ولن ينصرهم أحد منه...