نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَمَا لَيۡسَ لَهُم بِهِۦ عِلۡمٞۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٖ} (71)

ولما أخبر سبحانه أن الشك لا يزال ظرفاً لهم - لما يلقى الشيطان من شبهه في قلوبهم القابلة لذلك بما لها من المرض وما فيها من الفساد إلى إتيان الساعة ، وعقب ذلك بما ذكر من الحكم المفصلة ، والأحكام المشرفة المفضلة ، إلى أن ختم بأنه وحده الحكم في الساعة ، مرهباً من تمام علمه وشمول قدرته ، قال معجباً ممن لا ينفعه الموعظة ولا يجوز الواجب وهو يوجب المحال ، عاطفاً على { ولا يزال } : { ويعبدون } أي على سبيل التجديد والاستمرار { من دون الله } أي من أدنى رتبة من رتب الذي قامت جميع الدلائل على احتوائه على جميع صفات الكمال ، وتنزهه عن شوائب النقص { ما لم ينزل به سلطاناً } أي حجة واحدة من الحجج .

ولما كان قد يتوهم أن عدم إنزال السلطان لا ينفيه ، قال مزيلاً لهذا الوهم : { وما ليس لهم به علم } أي أصلاً { وما } أي والحال أنهم ما لهم ، ولكنه أظهر إشارة إلى الوصف الذي استحقوا به الهلاك فقال : { للظالمين } أي الذين وضعوا التعبد في غير موضعه بارتكابهم لهذا الأمر العظيم الخطر ؛ وأكد النفي واستغرق المنفي بإثبات الجار فقال : { من نصير* } أي ينصرهم من الله ، لا مما أشركوه به ولا من غيره ، لا في مدافعة عنهم ولا في إثبات حجة لمذاهبهم ، فنفى أن يكون أحد يمكنه أن يأتي بنصرة تبلغ القصد بأن يغلب المنصور عليه ، وأما مطلق نصر لا يفيد بما تقدم من شبه الشيطان فلا .