الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (192)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وإنه لتنزيل رب العالمين} وذلك أنه لما قال كفار مكة: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يتعلم القرآن من أبي فكيهة، ويجيء به الري، وهو شيطان، فيلقيه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فأكذبهم الله فقال عز وجل: {وإنه لتنزيل رب العالمين} يعني: القرآن.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وإنّ هذا القرآن "لتَنْزِيلُ رَبّ العَالَمينَ "والهاء في قوله "وَإنّهُ" كناية الذكر الذي في قوله: "وَما يَأْتِيهِمْ منْ ذِكْرٍ منَ الرّحْمَنِ". واختلف القرّاء في قراءة قوله "نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمِينُ" فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة "نَزَلَ بهِ" مخففة "الرّوحُ الأَمِينُ" رفعا بمعنى: أن الروح الأمين هو الذي نزل بالقرآن على محمد، وهو جبريل. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة "نَزّلَ" مشددة الزاي "الرّوحَ الأَمِينَ" نصبا، بمعنى: أن ربّ العالمين نزّل بالقرآن الروح الأمين، وهو جبريل عليه السلام.

والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، وذلك أن الروح الأمين إذا نزل على محمد بالقرآن، لم ينزل به إلا بأمر الله إياه بالنزول، ولن يجهل أن ذلك كذلك ذو إيمان بالله، وأن الله إذا أنزله به نزل.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَإِنَّهُ} وإن هذا التنزيل، يعني: ما نزل من هذه القصص والآيات. والمراد بالتنزيل: المنزل.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن الله تعالى لما ختم ما اقتصه من خبر الأنبياء، ذكر بعد ذلك ما يدل على نبوته صلى الله عليه وسلم وهو من وجهين: الأول: قوله: {وإنه لتنزيل رب العالمين} وذلك لأنه لفصاحته معجز، فيكون ذلك من رب العالمين، أو لأنه إخبار عن القصص الماضية من غير تعليم البتة، فلا يكون ذلك إلا بوحي من الله تعالى، وقوله بعده: {وإنه لفي زبر الأولين} كأنه مؤكد لهذا الاحتمال، وذلك لأنه عليه السلام لما ذكر هذه القصص السبع على ما هي موجودة في زبر الأولين من غير تفاوت أصلا مع أنه لم يشتغل بالتعلم والاستعداد، دل ذلك على أنه ليس إلا من عند الله تعالى، فهذا هو المقصود من الآية.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

الضمير في: {وإنه} عائد على القرآن، أي إنه ليس بكهانة ولا سحر، بل هو من عند الله، وكأنه عاد أيضاً إلى ما افتتح به السورة من إعراض المشركين عما يأتيهم من الذكر، ليتناسب المفتتح والمختتم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وإنه} أي الذكر الذي أتاهم بهذه الأخبار وهم عنه معرضون وله تاركون {لتنزيل رب العالمين} أي الذي رباهم بشمول علمه، وعظيم قدرته، بما يعجز عن أقل شيء منه غيره لكونه أتاهم بالحق منها على لسان من لم يخالط عالماً قط، ومع أنه سبحانه غذاهم بنعمته، ودبرهم بحكمته، فاقتضت حكمته أن يكون هذا الذكر جامعاً لكونه ختاماً، وأن يكون معجزاً لكونه تماماً، ونزله على حسب التدريج شيئاً فشيئاً. مكرراً فيه ذكر القصص سابقاً في كل سورة منها ما يناسب المقصود من تلك السورة، معبراً عما يسوقه منها بما يلائم الغرض من ذلك السياق مع مراعاة الواقع، ومطابقة الكائن.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

انتهى القصص وكله يعرض قصة الرسل والرسالات. وقصة التكذيب والإعراض. وقصة التحدي والعقاب. وقد بدأ هذا القصص بعد مقدمة السورة. والحديث فيها خاص برسول الله [صلى الله عليه وسلم] ومشركي قريش: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين. إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين. وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين. فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون.. ثم سيق القصص، وكله نماذج للقوم يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون! فلما انتهى القصص عاد السياق إلى موضوع السورة الذي تضمنته المقدمة؛ فجاء هذا التعقيب الأخير، يتحدث عن القرآن، فيؤكد أنه تنزيل رب العالمين -ومنه هذا القصص الذي مضت به القرون، فإذا القرآن ينزل به من رب العالمين- ويشير إلى أن علماء بني إسرائيل يعرفون خبر هذا الرسول وما معه من القرآن، لأنه مذكور في كتب الأولين. إنما المشركون يعاندون الدلائل الظاهرة؛ ويزعمون أنه سحر أو شعر، ولو أن أعجميا لا يتكلم العربية نزل عليه هذا القرآن فتلاه عليهم بلغتهم ما كانوا به مؤمنين. لأن العناد هو الذي يقعد بهم عن الإيمان لا ضعف الدليل! وما تنزلت الشياطين بهذا القرآن على محمد [صلى الله عليه وسلم] كما تتنزل بالأخبار على الكهان. وما هو كذلك بشعر، فإن له منهجا ثابتا والشعراء يهيمون في كل واد وفق الانفعالات والأهواء. إنما هو القرآن المنزل من عند الله تذكيرا للمشركين، قبل أن يأخذهم الله بالعذاب، وقبل أن يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عود إلى ما افتتحت به السورة من التنويه بالقرآن وكونه الآية العظمى بما اقتضاه قوله: {تلك آيات الكتاب المبين} [الشعراء: 2] كما تقدم لتختتم السورة بإطناب التنويه بالقرآن كما ابتُدئت بإجمال التنويه به، والتنبيه على أنه أعظم آية اختارها الله أن تكون معجزةً أفضل المرسلين. فضمير {وإنه} عائد إلى معلوم من المقام بعد ذكر آيات الرسل الأولين. فبواو العطف اتصلت الجملة بالجمل التي قبلها، وبضمير القرآن اتصل غرضها بغرض صدر السورة.

فجملة: {وإنه لتنزيل رب العالمين} معطوفة على الجمل التي قبلها المحكية فيها أخبار الرسل المماثلة أحوالُ أقوامهم لحال قوم محمد صلى الله عليه وسلم وما أيدهم الله به من الآيات ليعلم أن القرآن هو آية الله لهذه الأمة، فعطفها على الجمل التي مثلها عطف القصة على القصة لتلك المناسبة. ولكن هذه الجملة متصلة في المعنى بجملة: {تلك آيات الكتاب المبين} [الشعراء: 2] بحيث لولا ما فصل بينها وبين الأخرى من طول الكلام لكانت معطوفة عليها. ووُجه الخطابُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن في التنويه بالقرآن تسلية له على ما يلاقيه من إعراض الكافرين عن قبوله وطاعتهم فيه.

والتأكيد ب (إنَّ) ولاَم الابتداء لرد إنكار المنكرين.

والتنزيل مصدر بمعنى المفعول للمبالغة في الوصف حتى كأنَّ المنزَّلَ نفسُ التنزيل. وجملة: {نزل به الروح الأمين} بيان ل {تنزيل رب العالمين}، أي كان تنزيله على هذه الكيفية.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهكذا انتهى الأمر إليك يا محمد لينزل الله عليك رسالته، لتبلِّغها للناس كما بلَّغ الأنبياء من قبلك رسالاتهم، وليواجهك قومك بالمنطق الذي واجه به أقوام الأنبياء أنبياءهم، بالرغم من وضوح الحجة على الحق في موقفك ورسالتك.

{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إذ تتمثل في هذا القرآن أسرار الإِعجاز التي توحي بأنه كلام الله الذي لا يستطيع أن يدنو منه كلام المخلوقين،