تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (192)

القرآن الكريم

{ وإنه لتنزيل رب العالمين( 192 ) نزل به الروح الأمين( 193 ) على قلبك لتكون من المنذرين( 194 ) بلسان عربي مبين( 195 ) وإنه لفي زبر الأولين( 196 ) أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل( 197 ) ولو نزلناه على بعض الأعجمين( 198 ) فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ( 199 ) كذلك سلكناه في قلوب المجرمين( 200 ) لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم( 201 ) فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون( 202 ) فيقولوا هل نحن منظرون( 203 ) أفبعذابنا يستعجلون( 204 ) أفرأيت إن متعناهم سنين( 205 ) ثم جاءهم ما كانوا يوعدون( 206 ) ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون( 207 ) وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون( 208 ) ذكرى وما كنا ظالمين( 209 ) وما تنزلت به الشياطين( 210 ) وما ينبغي لهم وما يستطيعون ( 211 ) إنهم عن السمع لمعزولون( 212 ) } .

192

التفسير :

192 ، 193 ، 194 ، 195-{ وإنه لتنزيل رب العالمين*نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين*بلسان عربي مبين } .

إن القرآن الكريم نزل من عند الله تعالى ، وليس فيه سحر ولا كهانة ولا اختراع بشر ، وقد نزل به جبريل وهو الروح الأمين ، فهو أمين على وحي السماء ، فقد نزل بكتب الله على رسله ، قال تعالى : { مطاع ثم أمين } [ التكوير : 21 ] أي : إنه مطاع في ملائكة السماء ، وهو أيضا أمين على وحي الله .

{ على قلبك لتكون من المنذرين } .

تنزل بالوحي على روحك وقلبك ، لتستوعبه وتحفظه وتفهمه ، ثم تنذر به الآخرين .

وخص القلب ، لأنه محل النظر من الله ، ولأن القلب هو الذي يدير الجسم ، فإذا نشط في العبادة نشطت الأعضاء .

قال الشاعر :

وإذا حلت الهداية قلبا *** نشطت في العبادة الأعضاء

ويقول الآخر :

وإذا كان القلب أعمى عن الرش *** د فماذا تفيده العينان

وروى البخاري ، ومسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب )x .

وقال تعالى : { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب . . . } [ ق : 37 ]

وقال تعالى : { فإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } [ الحج : 46 ] .

فالنبي صلى الله عليه وسلم قد استوعب القرآن بقلبه ، وحفظه وفهمه ، وبلغه إلى أمته وإلى الناس .

قال تعالى : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا*وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا } [ الأحزاب : 45 ، 46 ]

{ بلسان عربي مبين }

فقد نزل القرآن بلغة العرب ، واضحا مبينا ميسرا ، وفي هذا دعوة للعرب أن يستوعبوه ويفهموه ، ويؤمنوا به ويعملوا به ، ويبشروا به عباد الله .

قال تعالى : { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه . . } [ الشورى : 7 ] .

وقال تعالى : { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون } [ الزخرف : 44 ]

وفي هذه الآيات تحدث القرآن عن منزل الكتاب ، وهو رب العالمين ، وعن الذي نزل به وهو جبريل الأمين ، وعن المنزَّل عليه وهو قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، وعن المبعوث إليهم وهم العرب المنذرون ، وعن اللسان الذي نزل به القرآن ، وهو اللسان العربي المبين ، وعن أدلة صدقه ، وهي بشارة التوراة والإنجيل به .