الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَٱلشَّيَٰطِينَ كُلَّ بَنَّآءٖ وَغَوَّاصٖ} (37)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{والشياطين كل بناء وغواص} كانوا يبنون له ما يشاء من البنيان، وهو محاريب وتماثيل ويغوصون له في البحر، فيستخرجون له اللؤلؤ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"والشّياطِينَ كُلّ بَنّاءٍ وغَوّاصٍ" يقول تعالى ذكره: وسخرنا له الشياطين فسلطناه عليها مكان ما ابتليناه بالذي ألقينا على كرسيّه منها يستعملها فيما يشاء من أعماله من بنّاء وغوّاص؛ فالبُناة منها يصنعون محاريب وتماثيل، والغاصَة يستخرجون له الحُلِيّ من البحار، وآخرون ينحتون له جفانا وقدورا، والمَرَدة في الأغلال مُقَرّنون.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{والشياطين} أي الذين عندهم خفة الريح مع الاقتران بالروح سخرناهم له؛ ثم نبه على منفعتهم بالإبدال منهم فقال: {كل} وعبر ببناء المبالغة لأنه في سياق الامتنان فقال: {بناء وغواص} عظيم في البناء صاعداً في جو السماء والغوص نازلاً في أعماق الماء...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{الشياطين} جمع شيطان، وحقيقته الجنّي، ويستعمل مجازاً للبالغ غاية المقدرة والحذق في العمل الذي يعمله، ومنه قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبيء عدواً شياطين الإنس والجن} [الأنعام: 112]، فسخر الله النوع الأول لسليمان تسخيراً خارقاً للعادة على وجه المعجزة، فهو مسخر له في الأمور الروحانية والتصرفات الخفية وليس من شأن جنسهم إيجاد الصناعات المتقنة كالبناء، وسخر النوع الثاني له تسخير إذلال ومغلوبية لعظم سلطانه وإلقاء مهابته في قلوب الأمم فكانوا يأتون طوعاً للانضواء تحت سلطانه كما فعلت بلقيس، فيجوز أن يكون

{الشياطين} مستعملاً في حقيقته ومجازه...

{كُلَّ} هنا مستعملة في معنى الكثير، وهو استعمال وارد في القرآن والكلام الفصيح وقد بلغت الصناعة في مُلك سليمان مبلغاً من الإِتقان والجودة والجلال، وناهيك ببناء هيكل أورشليم وهو الذي سُمي في الإِسلام المسجد الأقصى وما جلب إليه من مواد إقامته من الممالك المجاورة له، وكذلك الصرح الذي أقامه وأدخلت عليه فيه ملكة سبَأ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

النعمة الأخرى التي أنعمها البارئ عز وجل على عبده سليمان (عليه السلام)، هي تسخير الموجودات المتمردة ووضعها تحت تصرّف سليمان لتنجز له بعض الأعمال التي يحتاجها (والشياطين كلّ بنّاء وغوّاص):

أي إنّ مجموعة منها منشغلة في البرّ ببناء ما يحتاج إليه سليمان من أبنية، وأخرى منشغلة بالغوص في البحر.

وبهذا الشكل فإنّ الله وضع تحت تصرّف سليمان قوّة مستعدّة لتنفيذ ما يحتاج إليه، فالشياطين التي من طبيعتها التمرّد والعصيان سخّرت لسليمان لتبني له، ولتستخرج المواد الثمينة من البحر.

ومسألة تسخير الشياطين لسليمان وتنفيذها لما يحتاج إليه، لم ترد في هذه الآية فقط، وإنّما وردت في عدّة آيات من آيات القرآن المجيد، ولكن في بعض الآيات كالآية التي هي مورد بحثنا والآية (82) من سورة الأنبياء استخدمت كلمة (الشياطين) فيها، فيما استخدمت كلمة (الجنّ) في الآية (12) من سورة سبأ.

وكما قلنا سابقاً فإنّ (الجنّ) موجودات مخفية عن أنظارنا، ولها عقول وشعور وقدرة، وبعضها مؤمن وبعضها الآخر كافر، ولا يوجد هناك أي مانع من أن توضع بأمر من الله تحت تصرّف بعض الأنبياء، لتنجز له بعض الأعمال.

وهناك احتمال وارد أيضاً، وهو أنّ كلمة الشياطين لها معنى واسع قد يشمل حتّى العصاة من البشر، وقد استخدم هذا المعنى في الآية (112) من سورة الأنعام، وبهذا الترتيب فإنّ الله سبحانه وتعالى منح سليمان قوّة جعلت حتّى المتمردّين العصاة ينصاعون لأوامره.