الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَيۡمَٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (30)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ووهبنا لداود سليمان} ثم أثنى على سليمان، فقال سبحانه: {نعم العبد} وهذا ثناء على عبده سليمان نعم العبد، {إنه أواب} مطيع.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: {وَوَهْبَنا لدَاوُدَ سُلَيْمانَ} ابنه ولدا "نَعْمَ العَبْدُ "يقول: نعم العبد سليمان، "إنّهُ أوّابٌ" يقول: إنه رجاع إلى طاعة الله توّاب إليه مما يكرهه منه. وقيل: إنه عُنِي به أنه كثير الذكر لله والطاعة... عن ابن عباس: {نِعْمَ العَبْدُ إنّهُ أوّابٌ} قال: الأوّاب: المسبّح.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{نِعْمَ الْعَبْدُ} راجعاً إليه في جميع الأحوال؛ في النعمة بالشكر وفي المحنة بالصبر.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فيه مباحث:

الأول: نقول المخصوص بالمدح في {نعم العبد} محذوف، فقيل هو سليمان، وقيل داود، والأول أولى لأنه أقرب المذكورين، ولأنه قال بعده {إنه أواب} ولا يجوز أن يكون المراد هو داود، لأن وصفه بهذا المعنى قد تقدم في الآية المتقدمة حيث قال: {واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب} فلو قلنا لفظ الأواب ههنا أيضا صفة داود لزم التكرار، ولو قلنا إنه صفة لسليمان لزم كون الابن شبيها لأبيه في صفات الكمال في الفضيلة، فكان هذا أولى...

الثاني: أنه قال أولا {نعم العبد} ثم قال بعده {إنه أواب} وهذه الكلمة للتعليل، فهذا يدل على أنه إنما كان {نعم العبد} لأنه كان أوابا، فيلزم أن كل من كان كثير الرجوع إلى الله تعالى في أكثر الأوقات وفي أكثر المهمات كان موصوفا بأنه {نعم العبد} وهذا هو الحق الذي لا شبهة فيه، لأن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به، ورأس المعارف ورئيسها معرفة الله تعالى، ورأس الطاعات ورئيسها الاعتراف بأنه لا يتم شيء من الخيرات إلا بإعانة الله تعالى، ومن كان كذلك كان كثير الرجوع إلى الله تعالى فكان أوابا، فثبت أن كل من كان أوابا وجب أن يكون {نعم العبد}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان الإنسان وإن أطال التدبر وأقبل بكليته على التذكر لا بد له من نسيان وغفلة وذهول، ولما كان الممدوح إنما هو الرجاع... وكان الله تعالى هو الملك الذي لا شريك له والمالك الذي له الملك كله فهو يرفع من يشاء ممن لا يخطر في وهم أن يرتفع، ويخفض من يشاء ممن علا في الملك حتى لا يقع في خاطر أنه يحصل له خلل ولا سيما إن كان على أعلى خلال الطاعة ليبين لكل ذي لب أن الفاعل لذلك هو الفاعل المختار، فلا يزال خيره مرجواً، وانتقامه مرهوباً مخشياً، قال تعالى: {ووهبنا} أي بما لنا من الحكمة والعظمة.

{لداود سليمان} فجاء عديم النظير في ذلك الزمان ديناً ودنياً وعلماً وحكمة وحلماً وعظمة ورحمة، ولذلك نبه على أمثال هذه المعاني باستئناف الإخبار عما حرك النفس إلى السؤال عنها من إسناد الهبة إلى نون العظمة فقال: {نعم العبد} ولما كان السياق لسرعة الانتباه من الغفلات، والتفصي من الهفوات، والتوبة من الزلات، وبيان أن الابتلاء ليس منحصراً في العقوبات، بل قد يكون لرفعة الدرجات، وكان هذا بعيداً من العادات، علل مدحه مؤكداً له بقوله: {إنه أواب} أي رجاع إلى الازدياد من الاجتهاد في المبالغة في الشكر والصبر على الضر كلما علا من مقام بالاستغفار منه وعده مع ما له من الكمال مما يرغب عنه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جُعل التخلصُ إلى مناقب سليمان عليه السلام من جهة أنه من مِنن الله على داود عليه السلام، فكانت قصة سليمان كالتكملة لقصة داود، ولم يكن لحال سليمان عليه السلام شَبه بحال محمد صلى الله عليه وسلم فلذلك جزمنا بأن لم يكن ذكر قصته هنا مِثالاً لحال محمد صلى الله عليه وسلم، وبأنها إتمام لما أنعم الله به على داود إذ أعطاه سليمان ابناً بهجةً له في حياته وورث ملكه بعد مماته... كما أنبأ عنه قوله تعالى: {ووهبنا لداوُود سُليمان} الآية، ولهذه النكتة لم تفتتح قصة سليمان بعبارة: واذكر، كما افتتحت قصة داود ثم قصة أيوب، والقصص بعدها مفصَّلها ومجملها غير أنها لم تخل من مواضع إسوة وعبرة وتحذير على عادة القرآن من افتراض الإِرشاد.

ومن حسن المناسبة لذكر موهبة سليمان أنه ولد لداود من المرأة التي عوتب داود لأجل استنزال زوجها أوريا عنها كما تقدّم، فكانت موهبة سليمان لداود منها مكرمة عظيمة هي أثر مغفرة الله لداود تلك المخالفة التي يقتضي قدره تجنبها وإن كانت مباحة وتحققه لتعقيب الأخبار عن المغفرة له بقوله: {وإنَّ له عندنا لزلفى وحُسن مئَابٍ} [ص: 40] فقد رضي الله عنه فوهب له من تلك الزوجة نبيئاً ومَلِكاً عظيماً الأوّاب: مبالغة في الآيب أي كثير الأوْب، أي الرجوع إلى الله بقرينة أنه مادحه.