الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (43)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} فأضعف الله عز وجل له...

{رحمة} نعمة {منا}.

{وذكرى} تفكر {لأولي الألباب}: أهل اللب والعقل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

... "وَوَهَبْنا لَهُ أهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ"... تأويل الكلام: فاغتسل وشرب، ففرّجنا عنه ما كان فيه من البلاء، ووهبنا له أهله، من زوجة وولد، "وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنّا "له ورأفة "وَذِكْرَى" يقول: وتذكيرا لأولي العقول، ليعتبروا بها فيتعظوا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

اختلف أهل التأويل فيه: قال بعضهم: ووهب له أهله، أي أحيى من هلك من أهله وماله، وزاد له على ذلك ضعفهم في الدنيا رحمة منه وفضلا، والحسن يقول كهذا: إنه أحياهم له بأعيانهم، وزاده مثلهم معهم.

وقال بعضهم: قيل له: يا أيوب إن أهلك في الجنة، فإن شئت آتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة، وعوضناك مثلهم معهم، قال: لا بل اتركهم في الجنة، فتركوا له في الجنة، وعوض مثلهم في الدنيا، ولله أن يحيي من شاء بعد ما أماته، وله أن يؤجر على ذلك ما شاء، ألا ترى أنه قال على إثره: {رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}؟ دل قوله: {رحمة منا} على أنه كشف الضر عن أيوب، وأعطاه ما أعطاه رحمة منه وفضلا ونعمة.

{وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} ذكرى وعظة لمن ينتفع باللب ليعلم أن ليس التضييق لمقت منه وسخطه لمن ضيق عليه، ولا في التوسيع رضا منه ولكن محنتان، يمتحن من يشاء الشدة والبلاء ومن شاء بالسعة والرخاء...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

الهبة كانت للرحمة له ولتذكير أولى الألباب؛ لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه لصبره، رغبهم في الصبر على البلاء وعاقبة الصابرين وما يفعل الله بهم...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ومثلهم معهم} الأقرب أنه تعالى متعه بصحته وبماله وقواه حتى كثر نسله وصار أهله ضعف ما كان وأضعاف ذلك...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ووهبنا} أي بما لنا من العظمة {له أهله} أي الذين كان الشيطان سلط عليهم بأن أحييناهم، وجمع اعتباراً بالمعنى؛ لأنه أفخم وأقرب إلى فهم المراد فقال:

{ومثلهم} وأعلم باجتماع الكل في آنٍ واحد فقال: {معهم} جددناهم له وليعلم من يسمع ذلك أنه لا عبرة بشيء من الدنيا وأنها وكل ما فيها عرض زائل لا ثبات له أصلاً إلا ما كان لنا، فإنه من الباقيات الصالحات، فلا يغير أحد بشيء منها ولا يشتغل عنا أصلاً، ويعلم من هذا من صدقه القدورة على البعث بمجرد تصديقه له، ومن توقف فيه سأل أهل الكتاب فعلم ذلك بتصديقهم له، ثم علل سبحانه فعله ذلك بقوله: {رحمة} ولما كان في مقام الحث على الصبر عظم الأمر بقوله:

{منا} فإنه أعظم من التعبير في سورة الأنبياء بعندنا، ليكون ذلك أحث على لزوم الصبر، وإذا نظرت إلى ختام الآيتين عرفت تفاوت العبارتين، ولاح لك أن مقام الصبر لا يساويه شيء؛ لأن الطريق إليه سبحانه لا ينفك شيء منه عن صبر وقهر للنفس وجبر؛ لأنها بالإجماع خلاف ما تدعو إليه الطبائع.

{وذكرى} أي إكراماً وتذكيراً عظيماً {لأولي الألباب} أي الأفهام الصافية، جعلنا ذلك لرحمته ولتذكير غيره من الموصوفين على طول الزمان؛ ليتأسى به كل مبتلى ويرجو مثل ما رجا، فإن رحمة الله واسعة، وهو عند القلوب المنكسرة، فما بينه وبين الإجابة إلا حسن الإنابة، فمن دام إقباله عليه أغناه عن غيره...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

تقول بعض الروايات: إن الله أحيا له أبناءه ووهب له مثلهم، وليس في النص ما يحتم أنه أحيا له من مات، وقد يكون معناه أنه بعودته إلى الصحة والعافية قد استرد أهله الذين كانوا بالنسبة إليه كالمفقودين. وأنه رزقه بغيرهم زيادة في الإنعام والرحمة والرعاية، مما يصلح ذكرى لذوي العقول والإدراك، والمهم في معرض القصص هنا هو تصوير رحمة الله وفضله على عباده الذين يبتليهم فيصبرون على بلائه وترضى نفوسهم بقضائه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لم يتقدم في هذه الآية ولا في آية سورة الأنبياء أن أيوب رُزِئ أهله، فيجوز أن يكون معنى {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} أن الله أبقى له أهله فلم يصب فيهم بما يكره وزاده بنين وحفدة. ويكون فعل {وهبنا} مستعملاً في حقيقته ومجازه، ويؤيد هذا المحمل وقوع كلمة {معهم} عقب كلمة {ومثلهم} فإن (مع) تشعر بأن الموهوب لاحق بأهله ومزيد فيهم، فليس في الآية تقدير مضاف في قوله: {ووهبنا له أهله}،وليس في الأخبار الصحيحة ما يخالف هذا إلا أقوالاً عن المفسرين ناشئة عن أفهام مختلفة.

{ومثلهم} مماثلهم، والمراد: مماثل عددهم، أي ضعف عدد أهله من بنين وحفدة.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ..} يبدو أن بعض أهله بعدوا عنه لما أصابه المرض، فلما شفاه الله وعاد إلى حال السلامة عادوا إليه {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ..} يعني: وهبنا له مثل أهله أي: من الذرية والأتباع {رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} الذكرى هي الخاطر الذي يمرُّ بك ليصرفك إلى متعلق الذِّكْرى؛ لأنك بصدد ما يبعدك عن سبب الذكرى.

ومضمون الذكرى هنا أنه لما صبر جاءه الفرج من الله، فعاد جسمه مُعَافاً سليماً بعد أنْ برئ من المرض ومن أسبابه، ثم عاد إليه أهله بزيادة مثلهم عليهم رفقاً بعواطفه. وهذا هو المراد بالرحمة في قوله {رَحْمَةً مِّنَّا..}، فهذه عطاءات متعددة جاءت ثمرة ونتيجة لصبره عليه السلام ورضائه بما قضى الله به.

إذن الذكرى التي نذكرها في هذه القصة أن الإنسان حين ينزل به الكرب يلجأ إلى الله، ويفزع إليه في كربه.