الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالُواْ بَلۡ أَنتُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِكُمۡۖ أَنتُمۡ قَدَّمۡتُمُوهُ لَنَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرَارُ} (60)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قال الفوج الواردون جهنم على الطاغين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم لهم:"بل أنتم أيها القوم لا مرحبا بكم": أي لا اتسعت بكم أما كنكم، "أنْتُمْ قَدّمْتُمُوهُ لَنا "يعنون: أنتم قدمتم لنا سُكنى هذا المكان، وصلّي النار بإضلالكم إيانا، ودعائكم لنا إلى الكفر بالله، وتكذيب رُسله، حتى ضللنا باتباعكم، فاستوجبنا سكنى جهنم اليوم، فذلك تقديمهم لهم ما قدموا في الدنيا من عذاب الله لهم في الآخرة. "فَبِئْسَ القَرارُ "يقول: فبئس المكان يُسْتَقرّ فيه جهنم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

يريدون الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحقّ به، وعللوا ذلك بقولهم: {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} والضمير للعذاب أو لصليهم...

فإن قلت: ما معنى تقديمهم العذاب لهم؟ قلت: المقدم هو عمل السوء، قال الله تعالى: {وذُوقُواْ عَذَابَ الحريق ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [الأنفال: 50-51] ولكن الرؤساء لما كانوا السبب فيه بإغوائهم، وكان العذاب جزاءهم عليه، قيل: أنتم قدمتموه لنا، فجعل الرؤساء هم المقدمين وجعل الجزاء هو المقدّم، فجمع بين مجازين؛ لأن العاملين هم المقدمون في الحقيقة لا رؤساؤهم، والعمل هو المقدم لا جزاؤه...

فإن قلت: فالذي جعل قوله: {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} من كلام الخزنة ما يصنع بقوله:

{بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ} والمخاطبون -أعني رؤسائهم- لم يتكلموا بما يكون هذا جواباً لهم؟ قلت: كأنه قيل: هذا الذي دعا به علينا الخزنة أنتم يا رؤساء أحقّ به منا لإغوائكم إيانا، وتسببكم فيما نحن فيه من العذاب.

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

إن قلنا: إن هذا قول الأتباع للرؤساء، فالمعنى: أنتم زينتم لنا الكفر؛ وإن قلنا: إنه قول الأمة المتأخرة للأمة المتقدمة، فالمعنى: أنتم شرعتم لنا الكفر وبدأتم به قبلنا، فدخلتم النار قبلنا.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

جاء بخطاب الأتباع للرؤساء، لتكون المواجهة لمن كانوا لا يقدرون على مواجهتهم في الدنيا بقبيح أشفى لصدورهم، حيث تسببوا في كفرهم، وأنكى للرؤساء...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان من المعلوم على ما جرت به العوائد أنهم يتأثرون من هذا القول فيحصل التشوف إلى ما يكون من أمرهم هل يجيبونهم أم تمنعهم هيبتهم على ما كانوا في الدنيا، اعلم بما يعلم منه انقطاع الأسباب هناك، فلا يكون من أحد منهم خوف من آخر، فقال مستأنفاً: {قالوا} أي الأتباع المعبر عنهم بالفوج لسفولهم وبطون أمرهم: {بل أنتم} أي خاصة أيها الرؤساء.

{أنتم} أي خاصة {قدمتموه} أي الاقتحام في العذاب بما أقحمتمونا فيه من أسبابه وقدمتم في دار الغرور من تزيينه.

{لنا} ولما كان الاقتحام وهو الوثوب أو الدخول على شيء بسرعة كأنها الوثوب ينتهي منه إلى استقرار، وكان الفريقان قد استقروا في مقاعدهم في النار، سببوا عن ذلك قولهم: {فبئس القرار}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{أنتم قدتمتوهُ لنا} علة لقلب سبب الشتم إليهم؛ أي لأنكم قدمتم العذاب لنا، فضمير النصب في {قدَّمْتُمُوهُ} عائد إلى العذاب المشاهد، وهو حاضر في الذهن غير مذكور في اللفظ، مثل {حتى توارت بالحجاب} [ص: 32].

ووقوع {أنتُمْ} قبل {قدَّمْتُمُوهُ} المسندِ الفعلي يفيد الحصر، أي لم يُضلنا غيركم فأنتم أحقّاء بالعذاب.