الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ثم إنكم يوم القيامة} أنت يا محمد وكفار مكة يوم القيامة {عند ربكم تختصمون}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

ثم إن جميعكم المؤمنين والكافرين يوم القيامة عند ربكم تختصمون، فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم، ويفصل بين جميعكم بالحقّ. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عنى به اختصام المؤمنين والكافرين، واختصام المظلوم والظالم... وقال آخرون: بل عُني بذلك اختصام أهل الإسلام...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: عُني بذلك: إنك يا محمد ستموت، وإنكم أيها الناس ستموتون ثم إن جميعكم أيها الناس تختصمون عند ربكم، مؤمنكم وكافركم، ومحقوكم ومبطلوكم، وظالموكم ومظلوموكم، حتى يؤخذ لكلّ منكم، ممن لصاحبه قبله حق حقّه. وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب؛ لأن الله عمّ بقوله:"ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ" خطاب جميع عباده، فلم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض، فذلك على عمومه على ما عمه الله به، وقد تنزل الآية في معنى، ثم يكون داخلاً في حكمها كلّ ما كان في معنى ما نزلت به...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{تَخْتَصِمُونَ} فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا، فاجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد، ويعتذرون بما لا طائل تحته، تقول الأتباع: أطعنا سادتنا وكبراءنا، وتقول السادات: أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون؛ وقد حمل على اختصام الجميع وأنّ الكفار يخاصم بعضهم بعضاً، حتى يقال لهم: {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيّ} [ق: 28] والمؤمنون الكافرين يبكتونهم بالحجج، وأهل القبلة يكون بينهم الخصام.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان الشفاء الكامل إنما يكون بأخذ الثأر وإذلال الظالم، قال مشيراً بأداة التراخي إلى مدة البرزخ، مؤكداً لأجل إنكارهم البعث فضلاً عن القصاص صادعاً لهم بالخطاب بعد الغيبة: {ثم إنكم} أي أيها العباد كلكم، فإن كل أحد مسؤول عن نفسه وعن غيره هل راعى حق الله فيه، أو أنت وهم من باب تغليب المخاطب وإن كان واحداً لعظمته على الغائبين، وزاد في إثبات المعنى بقوله: {يوم القيامة} فساقه مساق ما لا خلاف فيه، وبين أن ذلك الحال مخالف لهذا الحال لانقطاع الأسباب بقوله صارفاً القول إلى وصف التربية الذي يحق له الفضل على الطائع والعدل في العاصي.

{عند ربكم} أي المربي لكم بالخلق والرزق، فلا يجوز في الحكمة أن يدعكم يبغي بعضكم على بعض كما هو مشاهد من غير حساب، كما أن أقلكم عقلاً لا يرضى بذلك في عبيده الذين ملكه الله إياهم ملكاً ضعيفاً، أو ولاه عليهم ولاية مزلزلة، فكيف بمن فوقه فكيف بالحكماء.

{تختصمون} أي تبالغون في الخصومة ليأخذ بيد المظلوم وينتقم له من الظالم، ويجازي كلاًّ بما عمل، أما في الشر فسوءاً بسوء، لا يظلم مثقال ذرة ولا ما دونه، وأما في الخير فالحسنة بعشرة أمثالها -إلى ما فوق ذلك مما لا يعلمه غيره، فلا ينبغي أبداً لمظلوم أن يتوهم دوام نكده وعدم الأخذ بيده، فيقتصر في العمل ويجنح إلى شيء من الخوف والوجل، بل عليه أن يفرح بما يجزل ثوابه، ويسر بما ييسر حسابه، ويشتغل بما يخلص به نفسه في يوم التلاق الذي الناس فيه فريقان، ولا يشتغل بما لا يكون من تصفية دار الكدر عن الأكدار، وقرارة الدنس عن الأقذاء والأقذار، فإن الدوام فيها محال على حال من الأحوال.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يلي ذلك تقرير ما بعد الموت، فالموت ليس نهاية المطاف. إنما هو حلقة لها ما بعدها من حلقات النشأة المقدرة المدبرة، التي ليس شيء منها عبثاً ولا سدى. فيوم القيامة يختصم العباد فيما كان بينهم من خلاف. ويجيء رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمام ربه ويوقف القوم للخصومة فيما كانوا يقولونه ويأتونه، ويواجهون به ما أنزل الله إليهم من الهدى...