الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞ لَّا رَيۡبَ فِيهَا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (59)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إن الساعة لآتية لا ريب فيها} يعني كائنة لا شك فيها.

{ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} يعني كفار مكة أكثرهم لا يصدقون بالبعث.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن الساعة التي يحيي الله فيها الموتى للثواب والعقاب لجائية أيها الناس لا شكّ في مجيئها يقول: فأيقنوا بمجيئها، وأنكم مبعوثون من بعد مماتكم، ومجازون بأعمالكم، فتوبوا إلى ربكم.

"وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يُؤمِنُونَط يقول: ولكن أكثر قريش لا يصدّقون بمجيئها.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم جزم الإخبار بأن الساعة آتية، وهي القيامة المتضمنة للبعث من القبور والحساب بين يدي الله تعالى، واقترن الجمع إلى الجنة وإلى النار.

{لا ريب فيها} أي في نفسها وذاتها، وإن وجد من العالم من يرتاب فيها فليست فيها في نفسها ريبة...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ولما قرر الدليل الدال على إمكان وجود يوم القيامة، أردفه بأن أخبر عن وقوعها ودخولها في الوجود فقال: {إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون}.

والمراد بأكثر الناس الكفار الذين ينكرون البعث والقيامة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما ثبت بهذا كله تمام القدرة، وانتفى ما توهمه من لا بصر له من الطبائع، ثبت قطعاً قوله: {إن الساعة} أي القيامة التي يجادله فيها المجادلون.

{لآتية} وعزتي! للحكم بالعدل في المقارنة بين المسيء والمحسن؛ لأنه لا يسوغ في الحكمة عند أحد من الخلق أن يساوي أحد بين محسن عبيده ومسيئهم، فكيف يظن ذلك بأحكم الحاكمين الذي نشاهده يميت المسيء وهو في غاية النعمة والمعصية، والمحسن وهو في غاية البلاء والطاعة، والمظلوم قبل أن ينتصف من الظالم، ولهذا الأمر الظاهر قال: {لا ريب فيها} أي لا شك في إتيانها بوجه من الوجوه؛ لأفضي فيها بالعدل فأدخل فيها ناساً دار رحمتي، وآخرين دار نقمتي.

ولما وصل الحال في أمرها إلى حد لا خفاء به أصلاً، نفى الإيمان دون العلم فقال تعالى: {ولكن أكثر الناس} أي بما فيهم من النوس وهو الاضطراب، وراعى معنى الأكثر فجمع لأن الجمع أدل على المراد وأقعد في التبكيت: {لا يؤمنون} أي لا يجعلون المخبر لهم بإتيانها آمناً من التكذيب مع وضوح علمها لديهم، وما ذاك إلا لعناد بعضهم وقصور نظر الباقين على الحس.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما أُعطي إثبات البعث ما يحق من الحجاج والاستدلال، تهيأَ المقام لاستخلاص تحقيقه كما تُستخلص النتيجة من القياس، فأُعلن بتحقيق مجيء {الساعة} وهي ساعة البعث إذ {الساعة} في اصطلاح الإسلام علَم بالغلَبة على ساعة البعث، فالساعة والبعث مترادفان في المآل، فكأنه قيل: إن الذي جادل فيه المجادلون سيقع لا محالة إذ انكشفت عنه شبه الضالّين وتمويهاتُهم فصار بيّناً لا ريب فيه. وتأكيد الخبر ب (إنَّ) ولام الابتداء لزيادة التحقيق، وللإِشارة إلى أن الخبر تحقق بالأدلة السابقة. وذلك أن الكلام موجه للذين أنكروا البعث، ولهذا لم يؤت بلام الابتداء في قوله في سورة [طه: 15] {إن الساعة آتية}؛ لأن الخطاب لموسى عليه السلام. وجيء باسم الفاعل في {آتية} الذي هو حقيقة في الحال، للإِيماء إلى أنها لما تحققت فقد صارت كالشيء الحاضر المشاهد. والمراد تحقيق وقوعها لا الإِخبار عن وقوعها.

وجملة {لَّا رَيْبَ فِيهَا} مؤكدة لجملة {إنَّ السَّاعة لأتِيَةٌ}، ونُفِي الريب عن نفس الساعة، والمراد نفيه عن إتيانها لدلالة قوله: {آتية} على ذلك. ومعنى نفي الريب في وقوعها: أن دلائلها واضحة بحيث لا يُعتد بريب المرتابين فيها؛ لأنهم ارتابوا فيها لعدم الرويَّةِ والتفكر، وهذا قريب من قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة: 2]. فموقع الاستدراك الذي في قوله: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} هو ما يثيره نفي الريب عن وقوعها من أن يتساءل متسائل كيف ينفي الريب عنها والريب حاصل لكثير من الناس، فكان الاستدراك بقوله: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} جواباً لذلك السؤال. والمعنى: ولكن أكثر الناس يمرون بالأدلة والآيات وهم معرضون عن دلالتها؛ فيبقون غيرَ مؤمنين بمدلولاتها ولو تأملوا واستنبطوا بعقولهم لظهر لهم من الأدلة ما يؤمنون بعده، فلذلك نفي عنهم هنا وصف الإِيمان وهذا الاستدراك استئناف بياني.

ولولا أن (لكنَّ) يكثر أن تقع بعد واو العطف لكانت الجملة جديرة بالفصل دون عطف، فهذا العطف تحلية لفظية.

و {أكثر النَّاسِ} هم المشركون، وهم يومئذٍ أكثر من المؤمنين جداً...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«إن» و «اللام» في (لآتية) و جملة (لا ريب فيها) كلها للتأكيد المكرّر الذي يستهدف تأكيد المضمون والمعنى المراد، وهو قيام القيامة.

«الساعة» كما يقول «الراغب» في «المفردات» هي بمعنى: أجزاء من أجزء الزمان.

إنَّ الإشارة التي يطويها هذا الاستخدام لكلمة (الساعة) يشير إلى السرعة الّتي يتم فيها محاسبة الناس هناك.

لقد استخدمت الكلمة عشرات المرّات في القرآن الكريم، لتدل بشكل عام على المعنى الآنف الذكر، لكنّها تعني في بعض الأحيان نفس القيامة، فيما تعني في أحيان اُخرى الإشارة إلى انتهاء العالم ومقدمات البعث والنشور. وبسبب من الارتباط القائم بين الحدثين والقضيتين، وأنّ كلاهما يحدث بشكل مفاجئ، لذا تمّ استخدام كلمة «الساعة».

أما سبب القول: ب (ولكنّ أكثر الناس لا يؤمنون) فلا يعود إلى أن قيام القيامة من القضايا المجهولة والمبهمة، بل ثمّة ميل في الإنسان نحو «الحرية» في الاستفادة غير المشروطة أو المقيدة من ملذات الدنيا وشهواتها، بالإضافة إلى الأمل الطويل العريض الذي يلازم الإنسان فينساق مع الحياة، ويغفل عن التفكير بالقيامة، أو الاستعداد لها.