السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞ لَّا رَيۡبَ فِيهَا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (59)

ولما قرر الدليل على إمكان وجود يوم القيامة أردفه بالإخبار عن وقوعها فقال تعالى : { إن الساعة } أي : القيامة التي يجادل فيها المجادلون { لآتية } أي : للحكم بالعدل بين المسيء والمحسن لأنه لا يسوغ في الحكمة عند أحد من الخلق أن يساوي بين محسن عبيده ومسيئهم { لا ريب } أي : لا شك { فيها } أي : في إتيانها .

ولما حصل الحال في أمرها إلى حد لا خفاء به أصلاً نفى الإيمان دون العلم فقال تعالى : { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } أي : لا يصدقون بها وما ذاك إلا لعناد بعضهم ولقصور نظر الباقين على الحس .

تنبيه : يأتي قبل قيام الساعة فتن أعظمها فتنة المسيح الدجال فعن هشام بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ما بين خلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة أكبر من خلق الدجال » . معناه أكبر فتنة وأعظم شوكة من الدجال ، وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال : «إنه أعور عين اليمنى كأنها عنبة طافية » ولأبي داود والترمذي عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله تعالى بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال : «إني أنذركموه وما من نبي إلا أنذر قومه ، ولكن سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه تعلمون إنه أعور والله سبحانه ليس بأعور » . وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من نبي إلا وأنذر قومه وأمته الأعور الدجال ألا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه كافر » وفي رواية مسلم : «بين عينيه ك ف ر يقرؤه كل مسلم » . وعن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فذكر الدجال فقال : «إن بين يديه ثلاثة سنين سنة تمسك السماء ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها ، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها ، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله فلا تبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلكت ، ومن أشد فتنته أن يأتي الأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيمثل له مثل إبله كأحسن ما تكون ضروعاً وأسنمة ، ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول : إن أحييت لك أباك وأحييت لك أخاك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه قالت : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم فأخذ بلحمتي الباب فقال : مهيم أسماء قلت : يا رسول الله قد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال : إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فربي خليفتي على كل مؤمن ، قالت : فقلت يا رسول الله : إنا لنعجن عجيننا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين حينئذ ؟ قال : يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس » . وروى البغوي بسنده عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كاضطرام السعفة في النار » انتهى . والذي جاء في صحيح مسلم قالت : قلت يا رسول الله ما مكثه في الأرض ؟ قال : «أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم قلنا : يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة يكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا اقدروا له قدراً ، قلنا : يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح » . وفي رواية أبي داود : «فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته » ومنه : «ثم ينزل عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيدركه عند باب لد فيقتله » وعن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن مع الدجال إذا خرج ماء وناراً ، فأما الذي يرى الناس أنه نار فماء بارد وأما الذي يرى الناس أنه ماء فنار تحرق ، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى الناس أنه نار فإنه ماء عذب بارد » . وعن أبي هريرة : «ألا أحدثكم حديثاً عن الدجال ما حدث به نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء بمثال الجنة والنار فالتي يقول : إنها الجنة هي النار وإني أنذركم كما أنذر نوح قومه » وعن المغيرة بن شعبة قال : «ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر ما سألته وأنه قال لي : ما يضرك قلت إنهم يقولون : أن معه جبال خبز ونهر ماء قال : هو أهون على الله من ذلك » .

أي : أهون على الله من أن يجعل ما خلق الله بيده مضلاً للمؤمنين ومشككاً لقلوبهم ، بل إنما جعله الله تعالى ليزدادوا إيماناً وتثبت الحجة على الكافرين والمنافقين ، وليس معناه ليس معه شيء من ذلك لما مر في الحديث أن معه ماء وناراً وذكر فيه أحاديث كثيرة ، وفي هذا القدر تذكرة لأولي الألباب أجارنا الله تعالى وأحبابنا من فتنته آمين .