المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونٞ} (6)

6- وإن من قُبح حالهم وشدة غفلتهم أن ينادوا النبي متهكمين قائلين : - أيها الذي نُزِّل عليه الكتاب للذِّكر - إن بك جنونا مستمرا ، فليس النداء بنزول الذكر عليه إلا للتهكم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونٞ} (6)

قوله تعالى : { وقالوا } يعني : مشركي مكة ، { يا أيها الذي نزل عليه الذكر } ، أي : القرآن ، وأرادوا به محمدا صلى الله عليه وسلم ، { إنك لمجنون } ، وذكروا تنزيل الذكر على سبيل الاستهزاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونٞ} (6)

الضمير في { قالوا } يراد به كفار قريش . ويروى أن القائلين كانوا : عبد الله بن أبي أمية ، والنضر بن الحارث ، وأشباههما .

وقرأ الأعمش : «يا أيها الذي ألقي إليه الذكر » .

وقولهم : { يا أيها الذي نزل عليه الذكر } كلام على جهة الاستخفاف ، أي بزعمك ودعواك ، وهذه المخاطبة كما تقول لرجل جاهل أراد أن يتكلم فيما لا يحسن : يا أيها العالم لا تحسن تتوضأ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونٞ} (6)

عطف على جملة { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا } [ سورة الحجر : 3 ] . والمناسبة أن المعطوف عليها تضمنّت انهماكهم في الملذّات والآمال ، وهذه تضمّنت توغّلهم في الكفر وتكذيبهم الرسالة المحمّدية .

والمعنى : ذرهم يكذبون ويقولون شتى القول من التكذيب والاستهزاء .

والجملة كلها من مقولهم .

والنداء { في يأيها الذي نزل عليه الذكر } للتشهير بالوصف المنادى به ، واختيار الموصولية لما في الصلة من المعنى الذي جعلوه سبب التهكّم . وقرينة التهكّم قولهم : { إنك لمجنون } . وقد أرادوا الاستهزاء بوصفه فأنطقهم الله بالحق فيه صَرفاً لألسنتهم عن الشتم . وهذا كما كانوا إذا شتموا النبي صلى الله عليه وسلم أو هجوه يدعونه مذمماً ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : « ألَمْ تَرَيْ كيف صرف الله عني أذى المُشركين وسبّهم ، يسبون مُذمماً وأنا محمد » . وفي هذا إسناد الصلة إلى الموصول بحسب ما يدعيه صاحب اسم الموصول ، لا بحسب اعتقاد المتكلم على طريقة التهكّم .

و { الذكر } : مصدر ذكر ، إذا تلفظ . ومصدر ذكر إذا خطر بباله شيء . فالذكر الكلام الموحَى به ليتلَى ويكرر ، فهو للتلاوة لأنه يُذكر ويعاد ؛ إما لأن فيه التذكير بالله واليوم الآخر ، وإما بمعنى أن به ذكرهم في الآخرين ، وقد شملها قوله تعالى : { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم } [ سورة الأنبياء : 10 ] وقال : { وإنه لذكر لك ولقومك } [ سورة الزخرف : 44 ] والمراد به هنا القرآن .

فتسمية القرآن ذكرا تسمية جامعة عجيبة لم يكن للعرب علم بها من قبل أن تَرد في القرآن .

وكذلك تسميته قُرآناً لأنه قصد من إنزاله أن يقرأ ، فصار الذكر والقرآن صنفين من أصناف الكلام الذي يلقى للناس لقصد وعيه وتلاوته ، كما كان من أنواع الكلام الشعر والخطبة والقصة والأسطورة .

ويدلك لهذا قوله تعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرءان مبين } [ سورة يس : 69 ] ، فنفى أن يكون الكتاب المنزل على محمد شعراً ، ووصفه بأنه ذكر وقرآن ، ولا يخفى أن وصفه بذلك يقتضي مغايرة بين الموصوف والصفة ، وهي مغايرة باعتبار ما في الصفتين من المعنى الذي أشرنا إليه . فالمراد : أنه من صنف الذكر ومن صنف القرآن ، لا من صنف الشعر ولا من صنف الأساطير .

ثم صار القرآن بالتعريف باللام عَلَماً بالغلبة على الكتاب المنزّل على محمد كما علمت آنفاً .

وإنما وصفوه بالجنون لتوهّمهم أن ادعاء نزول الوحي عليه لا يصدر من عاقل ، لأن ذلك عندهم مخالف للواقع توهّماً منهم بأن ما لا تقبله عقولهم التي عليها غشاوة ليس من شأنه أن يقبله العقلاء ، فالداعي به غير عاقل .

والمجنون : الذي جُنّ ، أي أصابه فساد في العقل من أثر مسّ الجنّ إياه في اعتقادهم ، فالمجنون اسم مفعول مشتق من الفعل المبني للمجهول وهو من الأفعال التي لم ترد إلا مسندة للمجهول .

وتأكيد الجملة ب ( إن ) واللام لقصدهم تحقيق ذلك له لعلّه يرتدع عن الاستمرار فيه أو لقصدهم تحقيقه للسامعين حاضري مجالسهم .