تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونٞ} (6)

الآية 6 : وقوله تعالى : { وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر } يعني القرآن { إنك لمجنون } قال الحسن : قوله : { يا أيها الذي } تدعي أنه { نزل عليه الذكر إنك لمجنون } في ما تدعي من نزول الذكر ؛ هو على الإضمار الذي قال الحسن ، وإلا ( فهو ){[9773]} في الظاهر متناقض ؛ لأنهم كانوا لا يقرون بنزول الذكر عليه ، لأنهم لو أقروا بنزول الذكر عليه لكان قولهم متناقضا فاسدا { إنك لمجنون } سموه مجنونا . والذي حملهم على تسميتهم إياه مجنونا وجوه :

أحدها : أنهم لما رأوه أنه قد أظهر الخلاف لذوي العقول منهم والأفهام والدعاء إلى غير ما هم ( فيه ){[9774]} فرأوا أنه ليس مخالفا{[9775]} أهل العقول والفهم إلا بجنون فيه ، سموه{[9776]}مجنونا .

والثاني : رأوه أظهر الخلاف للفراعنة والجبابرة الذين كانت عادتهم القتل وإهلاك{[9777]} من أظهر الخلاف لهم في أمر من أمورهم الدنيوية ، فكيف من أظهر الخلاف لهم في الدين ؟ فظنوا أنه ليس يخالفهم ، ولا يخاطر بنفسه وروحه إلا لجنون فيه .

والثالث : قالوا ذلك لما رأوه ، كان يتغير لونه عند نزول الوحي عليه ، فظنوا أن ذلك لآفة فيه .

ومن تأمل حقيقة ذلك علم أن من{[9778]} قرفه بالجنون به ، هو المجنون ، لا هو ( وأنه عز وجل ){[9779]} قال : { أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة } الآية ( الأعراف : 184 )وقال : { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } ( القلم : 2 ) أخبر أنهم لو تفكروا عرفوا أنه ليس به جنة ، ولكن عن معاندة ومكابرة يقولون وجهل .

وسموه ساحرا ؛ فذلك تناقض في القول ؛ لأنه لا يسمى ساحرا إلا لفضل بصر وعلم . فذلك تناقض .


[9773]:ساقطة من الأصل وم.
[9774]:ساقطة من الأصل وم.
[9775]:في الأصل وم: مخالف.
[9776]:في الأصل وم: فسموه.
[9777]:في الأصل وم: والهلاك.
[9778]:من م، في الأصل: في.
[9779]:في الأصل وم: حيث.