إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونٞ} (6)

{ وَقَالُواْ } شروعٌ في بيان كفرِهم بمن أنزل عليه الكتابُ بعد بيانِ كفرهم بالكتاب وما يؤول إليه حالُهم ، والقائلون مشركو مكةَ لغاية تماديهم في العتوّ والغي { يا أيُّهَا الذي نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر } خاطبوا به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لا تسليماً لذلك واعتقاداً له ، بل استهزاءً به عليه الصلاة والسلام وإشعاراً بعلة حكمِهم الباطل في قولهم : { إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } كدأب فرعونَ إذ قال : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } يعنون يا من يدّعي مثل هذا الأمر البديعِ الخارقِ للعادات ، إنك بسبب تلك الدعوى أو بشهادة ما يعتريك عندما تدّعي أنه ينزل عليك لمجنون ، وتقديمُ الجارِّ والمجرور على القائم مَقامَ الفاعل لأن إنكارهم متوجِّهٌ إلى كون النازل ذِكْراً من الله تعالى ، لا إلى كون المنزَّلِ عليه رسولَ الله بعد تسليم كون النازلِ منه تعالى كما في قوله تعالى : { لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ } فإن الإنكارَ هناك متوجهٌ إلى كون المنزَّلِ عليه رسولَ الله تعالى ، وإيرادُ الفعل على صيغة المجهولِ لإيهام أن ذلك ليس بفعل له فاعلٌ أو لتوجيه الإنكارِ إلى كون التنزيلِ عليه لا إلى استناده إلى الفاعل .