يقول تعالى : فإن كذّبك{[11321]} - يا محمد - مخالفوك من المشركين واليهود ومن شابههم ، فقل : { رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ } وهذا ترغيب لهم في ابتغاء رحمة الله الواسعة ، واتباع رسوله ، { وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } ترهيب لهم من{[11322]} مخالفتهم الرسول خاتم النبيين . وكثيرًا ما يقرن الله تعالى بين الترغيب والترهيب في القرآن ، كما قال تعالى في آخر هذه السورة : { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } [ الآية : 165 ] ، وقال { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ } [ الرعد : 6 ] ، وقال تعالى : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ } [ الحجر : 49 ، 50 ] ، وقال تعالى : { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ } [ غافر : 3 ] ، وقال [ تعالى ]{[11323]} : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ } [ البروج : 12 - 14 ] ، والآيات في هذا كثيرة جدًا .
{ فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة } يمهلكم على التكذيب فلا تغتروا بإمهاله فإنه لا يهمل . { ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين } حين ينزل ، أو ذو رحمة واسعة على المطيعين وذو بأس شديد على المجرمين ، فأقام مقامه ولا يرد بأسه لتضمنه التنبيه على إنزال البأس عليهم مع الدلالة على أنه لازب بهم لا يمكن رده عنهم .
يريد { فإن كذبوك } فيما أخبرت به أن الله حرمه عليهم وقالوا لم يحرم الله علينا شيئاً وإنما حرمنا ما حرم إسرائيل على نفسه ، قال السدي وهذه كانت مقالتهم { فقل } يا محمد على جهة التعجب من حالهم والتعظيم لفريتهم في تكذيبهم لك مع علمهم بحقيقة ما قلت ، { ربكم ذو رحمة واسعة } ، إذ لا يعاجلكم بالعقوبة مع شدة جرمكم .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا كما تقول عند رؤية معصية أو أمر مبغي ما أحلم الله ، وأنت تريد لإمهاله على مثل ذلك في قوله { ربكم ذو رحمة واسعة } قوة وصفهم بغاية الاجترام وشدة الطغيان ، ثم أعقب هذه المقالة بوعيد في قوله { ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين } فكأنه قال : ولا تغتروا أيضاً بسعة رحمته فإن له بأساً لا يرد عن المجرمين إما في الدنيا وإما في الآخرة ، وهذه الآية وما جانسها من آيات مكة مرتفع حكمه بالقتال .
تفريع على الكلام السّابق الذي أبطل تحريم ما حرّموه ، ابتداء من قوله : { ثمانية أزواج } [ الأنعام : 143 ] الآيات أي : فإن لم يرعَوُوا بعد هذا البيان وكذّبوك في نفي تحريم الله ما زعموا أنَّه حرّمه فذكِّرهم ببأس الله لعلّهم ينتهون عمّا زعموه ، وذكِّرهم برحمته الواسعة لعلّهم يبادرون بطلب ما يخوّلهم رحمته من اتّباع هَدي الإسلام ، فيعود ضمير : { كذبوك } إلى المشركين وهو المتبادر من سياق الكلام : سابِقِه ولاحقه ، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون في قوله : { فقل ربكم ذو رحمة واسعة } تنبيه لهم بأنّ تأخير العذاب عنهم هو إمهال داخل في رحمة الله رحمة مؤقّته ، لعلّهم يسلمون . وعليه يكون معنى فعل : { كذبوك } الاستمرار ، أي إن استمرّوا على التّكذيب بعد هذه الحجج .
ويجوز أن يعود الضّمير إلى { الذين هادوا } [ الأنعام : 146 ] ، تكملة للاستطراد وهو قول مجاهد والسُدّي : أنّ اليهود قالوا لم يُحرّم الله علينا شيئاً وإنَّما حرّمنا ما حرّم إسرائيل على نفسه ، فيكون معنى الآية : فَرْض تكذيبهم قوله : { وعلى الذين هادوا حرمنا } [ الأنعام : 146 ] إلخ ، لأنّ أقوالهم تخالف ذلك فهم بحيث يكذّبون ما في هذه الآية ، ويشتبه عليهم الإمهال بالرّضى ، فقيل لهم : { ربكم ذو رحمة واسعة } . ومن رحمته إمهاله المجرمين في الدّنيا غالباً .
وقوله : { ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين } فيه إيجاز بحذف تقديره : وذو بأس ولا يُردّ بأسه عن القوم المجرمين إذا أراده . وهذا وعيد وتوقّع وهو تذييل ، لأنّ قوله : { عن القوم المجرمين } يعمّهم وغيرهم وهو يتضمّن أنهم مجرمون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.