{ إن جهنم كانت مرصاداً } طريقاً وممراً فلا سبيل لأحد إلا الجنة حتى يقطع النار . وقيل : { كانت مرصاداً } أي : معدة لهم ، يقال : أرصدت له الشيء إذا أعددته له . وقيل : هو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته . والمرصاد : المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو . وقوله : { إن جهنم كانت مرصادا } أي ترصد الكفار . وروى مقسم عن ابن عباس : أن على جسر جهنم سبع محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن أجاء بها تامة جاز إلى الثاني ، فيسأل عن الصلاة ، فإن أجاء بها تامة جاز إلى الثالث ، فيسأل عن الزكاة ، فإن أجاء بها تامة جاز إلى الرابع ، فيسأل عن الصوم فإن جاء به تاماً جاز إلى الخامس ، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاماً جاز إلى السادس ، فيسأل عن العمرة فإن أجاء بها تامة جاز إلى السابع ، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها وإلا يقال : انظروا فإن كان له تطوع أكمل بها أعماله ، فإذا فرغ منه انطلق به إلى الجنة .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ جَهَنّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لّلطّاغِينَ مَآباً * لاّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً * لاّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً * إِلاّ حَمِيماً وَغَسّاقاً } .
يعني تعالى ذكره بقوله : إن جهنم كانت ذات رَصْد لأهلها ، الذين كانوا يكذّبون في الدنيا بها ، وبالمعاد إلى الله في الاَخرة ، ولغيرهم من المصدّقين بها . ومعنى الكلام : إن جهنم كانت ذات ارتقاب ، ترقب من يجتازها وترصُدهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المازنيّ ، قال : كان الحسن إذا تلا هذه الاَية : إنّ جَهَنّمَ كانَتْ مرْصَادا قال : ألا إنّ على الباب الرّصَد ، فمن جاء بجواز جاز ، ومن لم يجىء بجواز احتبس .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا إسماعيل بن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله إنّ جَهَنّمَ كانَتْ مِرْصَادا قال : لا يدخل الجنة أحد حتى يجتاز النار .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ جَهَنّمَ كانَتْ مِرْصَادا يُعْلِمُنا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى يَقطَع النار .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان إنّ جَهَنّمَ كانَتْ مِرْصَادا قال : عليها ثلاث قناطر .
و { مرصاداً } : موضع الرصد ، ومنه قوله تعالى : { إن ربك لبالمرصاد }{[11570]} [ الفجر : 14 ] ، وقد روي عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال : «لا يدخل أحد الجنة حتى يجوز على جهنم ، فمن كانت عنده أسباب نجاة نجا وإلا هلك » . وقال قتادة : تعلمن أنه لا سبيل إلى الجنة حتى تقطع النار ، وفي الحديث الصحيح : «إن الصراط جسر ينصب على متن جهنم ثم يجوز عليه الناس فناج ومكردس »{[11571]} ، وقال بعض المتأولين : { مرصاداً } مفعال بمعنى راصد ، وقرأ أبو معمر المنقري{[11572]} : «أن جهنم » بفتح الألف والجمهور : على كسرها .
يجوز أن تكون جملة { إن جهنم كانت مرصاداً } في موضع خبر ثان ل { إنّ } من قوله : { إن يوم الفصل كان ميقاتاً } [ النبأ : 17 ] والتقدير : إن يوم الفصل إنَّ جهنم كانت مرصاداً فيه للطاغين ، والعائد محذوف دل عليه قوله : { مرصاداً } أي مرصاداً فيه ، أي في ذلك اليوم لأن معنى المرصاد مقترب من معنى الميقات إذ كلاهما محدد لجزاء الطاغين .
ودخول حرف ( إنَّ ) في خبر ( إن ) يفيد تأكيداً على التأكيد الذي أفاده حرف التأكيد الداخل على قوله : { يوم الفصل } على حد قول جرير :
إنّ الخليفة إنَّ الله سربَله *** سِربال مُلْك به تُزجَى الخَواتِيم
ومنه قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن اللَّه يفصل بينهم يوم القيامة } كما تقدم في سورة الحج ( 17 ) ، وتكون الجملة من تمام ما خوطبوا به بقوله : { يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً } [ النبأ : 18 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.