مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتۡ مِرۡصَادٗا} (21)

واعلم أن الأحوال المذكورة إلى ههنا هي : أحوال عامة ، ومن ههنا يصف أهوال جهنم وأحوالها .

فأولها قوله تعالى : { إن جهنم كانت مرصادا } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ ابن يعمر : أن جهنم بفتح الهمزة على تعليل قيام الساعة ، بأن جهنم كانت مرصادا للطاغين ، كأنه قيل كان كذلك لإقامة الجزاء .

المسألة الثانية : كانت مرصادا ، أي في علم الله تعالى ، وقيل صارت ، وهذان القولان نقلهما القفال رحمه الله تعالى ، وفيه وجه ثالث ذكره القاضي ، فإنا إذا فسرنا المرصاد بالمرتقب ، أفاد ذلك أن جهنم كانت كالمنتظرة لمقدومهم من قديم الزمان ، وكالمستدعية والطالبة لهم .

المسألة الثالثة : في المرصاد قولان : ( أحدهما ) : أن المرصاد اسم للمكان الذي يرصد فيه ، كالمضمار اسم للمكان الذي يضمر فيه الخيل ، والمنهاج اسم للمكان الذي ينهج فيه ، وعلى هذا الوجه فيه احتمالان : ( أحدهما ) : أن خزنة جهنم يرصدون الكفار ( والثاني ) : أن مجاز المؤمنين وممرهم كان على جهنم ، لقوله : { وإن منكم إلا واردها } فخزنة الجنة يستقبلون المؤمنين عند جهنم ، ويرصدونهم عندها .

القول الثاني : أن المرصاد مفعال من الرصد ، وهو الترقب ، بمعنى أن ذلك يكثر منه ، والمفعال من أبنية المبالغة كالمعطار والمعمار والمطعان ، قيل إنها ترصد أعداء الله وتشق عليهم ، كما قال تعالى : { تكاد تميز من الغيظ } قيل ترصد كل كافرة ومنافق ، والقائلون بالقول الأول . استدلوا على صحة قولهم بقوله تعالى : { إن ربك لبالمرصاد } ولو كان المرصاد نعتا لوجب أن يقال : إن ربك لمرصاد .

المسألة الرابعة : دلت الآية على أن جهنم كانت مخلوفة لقوله تعالى : { إن جهنم كانت مرصادا } أي معدة ، وإذا كان كذلك كانت الجنة أيضا كذلك ، لأنه لا قائل بالفرق .