قوله تعالى : { كمثل الذين من قبلهم } يعني : مثل هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم ، { قريباً } يعني مشركي مكة ، { ذاقوا وبال أمرهم } يعني القتل ببدر ، وكان ذلك قبل غزوة بني النضير ، قاله مجاهد . وقال ابن عباس : كمثل الذين من قبلهم يعني بني قينقاع . وقيل : مثل قريظة كمثل بني النضير وكان بينهما سنتان { ولهم عذاب أليم } .
ثم قال : { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قال مجاهد ، والسدى ، ومقاتل بن حيان : [ يعني ] {[28603]} كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر .
وقال ابن عباس : { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } يعني : يهود بني قينقاع . وكذا قال قتادة ، ومحمد ابن إسحاق .
وهذا القول أشبه بالصواب ، فإن يهود بني قينقاع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجلاهم قبل هذا .
القول في تأويل قوله تعالى : { كَمَثَلِ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيَءٌ مّنكَ إِنّيَ أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : مثل هؤلاء اليهود من بني النضير والمنافقين فيما الله صانع بهم من إحلال عقوبته بهم { كَمَثلِ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }يقول : كشبههم .
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالذين من قبلهم ، فقال بعضم : عني بذلك بنو قَيْنُقاع .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قوله : { كَمَثَلِ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبا ذَاقُوا وَبالَ أمْرِهِمْ وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ }يعني بني قَيْنُقاع .
وقال آخرون : عُني بذلك مشركو قريش ببدر .
حدثني محمد بن عمر ، قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { كَمَثَلِ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبا ذَاقُوا وَبالَ أمْرِهِمْ } قال : كفار قريش .
وأولى الأقوال بالصواب أن يقال : إن الله عزّ وجلّ مثل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذّبي رسوله صلى الله عليه وسلم ، الذين أهلكهم بسخطه ، وأمر بني قينقاعٍ ووقعة بدر ، كانا قبل جلاء بني النضير ، وكلّ أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم ، ولم يخصص الله عزّ وجلّ منهم بعضا في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض ، وكلّ ذائق وبال أمره ، فمن قربت مدته منهم قبلهم ، فهم ممثلون بهم فيما عُنُوا به من المثل .
وقوله : { ذَاقُو وَبالَ أمْرِهِمْ }يقول : نالهم عقاب الله على كفرهم به .
وقوله : { وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } يقول : ولهم في الاَخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذاب أليم ، يعني : موجع .
خبر مبتدأ محذوف دلّ عليه هذا الخبر ، فالتقدير : مثلهم كمثل الذين من قبلهم قريباً ، أي حال أهل الكتاب الموعود بنصر المنافقين كحال الذين مِن قبلهم قريباً .
والمراد : أن حالهم المركبة من التظاهر بالبأس مع إضمار الخوف من المسلمين ، ومن التفرق بينهم وبين إخوانهم من أهل الكتاب ، ومن خذلان المنافقين إياهم عند الحاجة ، ومن أنهم لا يقاتلون المسلمين إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ، كَحال الذين كانوا من قبلهم في زمن قريب وهم بنو النضير فإنهم أظهروا الاستعداد للحرب وأبَوا الجلاء ، فلم يحاربوا إلا في قريتهم إذ حصنوها وقبعوا فيها حتى أعياهم الحصار فاضطُرّوا إلى الجلاء ولم ينفعهم المنافقون ولا إخوانهم من أهل الكتاب .
وعن مجاهد أن { الذين من قبلهم } المشركون يوم بدر .
و { مِنْ } زائدة لتأكيد ارتباط الظرف بعامله .
وانتصب { قريباً } على الظرفية متعلقاً بالكون المضمر في قوله : { كمثل } ، أي كحاللِ كائن قريب ، أو انتصب على الحال من { الذين } أي القوم القريب منهم ، كقوله : { وما قوم لوط منكم بِبَعيد } [ هود : 89 ] .
والوبال أصله : وخامة المرعى المستلذ به للماشية يقال : كلأ وبيل ، إذا كان مَرعى خَضِراً « حلواً » تهشّ إليه الإِبل فيحبطها ويمرضها أو يقتلها ، فشبهوا في إقدامهم على حرب المسلمين مع الجهل بعاقبة تلك الحرب بإبل ترامت على مرعى وبِيل فهلكت وأُثبت الذوق على طريقة المكنية وتخييلها ، فكان ذكر { ذاقوا } مع { وبال } إشارة إلى هذه الاستعارة .
و { أمرهم } شأنُهم وما دبّروه وحسبوا له حسابه وذلك أنهم أوقعوا أنفسهم في الجلاء وترك الديار وما فيها ، أي ذاقوا سوء أعمالهم في الدنيا .
وضمير { ولهم عذاب أليم } عائد إلى { الذين من قبلهم } أي زيادة على ما ذاقوه من عذاب الدنيا بالجلاء وما فيه من مشقة على الأنفس والأجساد لهم عذاب أليم في الآخرة على الكفر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{كمثل الذين من قبلهم} يعني من قبل: أهل بدر، كان قبل ذلك بسنتين، فذلك قوله: {قريبا}.
{ذاقوا وبال أمرهم} يعني جزاء ذنبهم، ذاقوا القتل ببدر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالذين من قبلهم؛
فقال بعضم: عني بذلك بنو قَيْنُقاع.
وقال آخرون: عُني بذلك مشركو قريش ببدر.
وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: إن الله عزّ وجلّ مثل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذّبي رسوله صلى الله عليه وسلم، الذين أهلكهم بسخطه، وأمر بني قينقاعٍ ووقعة بدر كانا قبل جلاء بني النضير، وكلّ أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم، ولم يخصص الله عزّ وجلّ منهم بعضا في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض، وكلّ ذائق وبال أمره، فمن قربت مدته منهم قبلهم، فهم ممثلون بهم فيما عُنُوا به من المثل.
{ذَاقُوا وَبالَ أمْرِهِمْ} يقول: نالهم عقاب الله على كفرهم به.
{وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ} يقول: ولهم في الاَخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذاب أليم، يعني: موجع.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ}: سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من قولهم كلأ وبيل: وخيم سيء العاقبة، يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا. {وَلَهُمْ} في الآخرة عذاب النار. مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر، ثم متاركتهم لهم وإخلافهم.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
عدم نصر من وعدهم بالمعاونة {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا} وهم كفار قريش الذين زين لهم الشيطان أعمالهم، وقال [– كما جاء في القرآن الكريم –]: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} الآية. فغرتهم أنفسهم، وغرهم من غرهم، الذين لم ينفعوهم، ولم يدفعوا عنهم العذاب، حتى أتوا "بدرا " بفخرهم وخيلائهم، ظانين أنهم مدركون برسول الله والمؤمنين أمانيهم، فنصر الله رسوله والمؤمنين عليهم، فقتلوا كبارهم وصناديدهم، وأسروا من أسروا منهم، وفر من فر، وذاقوا بذلك وبال أمرهم وعاقبة شركهم وبغيهم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فشبهوا في إقدامهم على حرب المسلمين مع الجهل بعاقبة تلك الحرب بإبل ترامت على مرعى وبِيل فهلكت.
و {أمرهم} شأنُهم وما دبّروه وحسبوا له حسابه، وذلك أنهم أوقعوا أنفسهم في الجلاء وترك الديار وما فيها، أي ذاقوا سوء أعمالهم في الدنيا. وضمير {ولهم عذاب أليم} عائد إلى {الذين من قبلهم} أي زيادة على ما ذاقوه من عذاب الدنيا بالجلاء وما فيه من مشقة على الأنفس والأجساد لهم عذاب أليم في الآخرة على الكفر.