يقسم الله بهذه الظواهر والحقائق المتقابلة في الكون وفي الناس ، على أن سعي الناس مختلف وطرقهم مختلفة ، ومن ثم فجزاؤهم مختلف كذلك ؛ فليس الخير كالشر ، وليس الهدى كالضلال ، وليس الصلاح كالفساد ، وليس من أعطى واتقى كمن بخل واستغنى ، وليس من صدق وآمن كمن كذب وتولى . وأن لكل طريقا ، ولكل مصيرا ، ولكل جزاء وفاقا :
إن سعيكم لشتى . . مختلف في حقيقته . مختلف في بواعثه . مختلف في اتجاهه . مختلف في نتائجه . . والناس في هذه الأرض تختلف طبائعهم ، وتختلف مشاربهم ، وتختلف تصوراتهم ، وتختلف اهتماماتهم ، حتى لكأن كل واحد منهم عالم خاص يعيش في كوكب خاص .
وقوله : إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى يقول : إن عملكم لمختلف أيها الناس ، لأن منكم الكافر بربه ، والعاصي له في أمره ونهيه ، والمؤمن به ، والمطيع له في أمره ونهيه ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى يقول : لمختلف .
وقوله : إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى جواب القسم ، والكلام : والليل إذا يغشى إن سعيكم لشتى ، وكذا قال أهل العلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : وقع القسم هاهنا إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى .
والخطاب في قوله : { إن سعيكم } لجميع الناس من مؤمن وكافر .
واعلم أنه قد روي في « الصحيحين » عن علقمة قال : « دخلت في نفر من أصحاب عبد الله ( يعني ابنَ مسعود ) الشام فسمع بِنا أبو الدرداء فأتانا فقال : أيكم يقرأ على قراءة عبد الله ؟ فقلت : أنا . قال : كيف سمعتَه يقرأ ؟ { والليل إذا يغشى } قال سمعته يقرأ : « والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى » قال : أشهد أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا » . وسماها في « الكشاف » : قراءة النبي صلى الله عليه وسلم أي ثَبت أنه قرأ بها ، وتأويل ذلك : أنه أقرأها أبا الدرداء أيام كان القرآن مرخَّصاً فيه أن يُقرأ على بعض اختلاف ، ثم نُسخ ذلك الترخيص بما قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وهو الذي اتفق عليه قراء القرآن . وكتب في المصحف في زمن أبي بكر رضي الله عنه ، وقد بينت في المقدمة السادسة من مقدمات هذا التفسير معنى قولهم : قراءة النبي صلى الله عليه وسلم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول : أعمالكم مختلفة في الخير والشر.
يحيى : قال مالك : وإنما السعي في كتاب الله: العمل والفعل . يقول الله تبارك وتعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض } وقال تعالى : { وأما من جاءك يسعى } وقال : { ثم أدبر يسعى } وقال : { إن سعيكم لشتى } . قال مالك : فليس السعي الذي ذكر الله في كتابه بالسعي على الأقدام ولا الاشتداد وإنما عني العمل والفعل ....
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن عملكم لمختلف أيها الناس ، لأن منكم الكافر بربه ، والعاصي له في أمره ونهيه ، والمؤمن به ، والمطيع له في أمره ونهيه ...
وقوله : "إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى" جواب القسم ، والكلام : "والليل إذا يغشى..." إن سعيكم لشتى ، وكذا قال أهل العلم . ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فإن قيل : إن كلا يعلم من كافر ومؤمن أن سعيكم لمختلف ، فما الحكمة والفائدة من ذكر القسم على ما يعلم كل ذلك ؟ . قيل : الوجه فيه ، والله أعلم، أن ما يقع لهم بالسعي وما يستوجبون به مختلف في الآخرة ، وهو جزاء السعي ، كأنه قال : إن جزاء سعيكم وثوابه لمختلف ...
هذا الجواب القسم ، فأقسم تعالى بهذه الأشياء ، أن أعمال عباده لشتى أي مختلفة في الجزاء وشتى جمع شتيت مثل مرضى ومريض ، وإنما قيل للمختلف : شتى ، لتباعد ما بين بعضه وبعضه ، والشتات هو التباعد والافتراق ، فكأنه قيل : إن عملكم لمتباعد بعضه من بعض ، لأن بعضه ضلال وبعضه هدى ، وبعضه يوجب الجنان ، وبعضه يوجب النيران ، فشتان ما بينهما ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ إن سعيكم } أي عملكم أيها المكلفون في التوصل إلى مقصد واحد ، ولذلك أكده لأنه لا يكاد يصدق اختلاف وجوه السعي مع اتحاد المراد ، وعبر بالسعي ليبذل كل في عمله غاية جهده { لشتى } أي مختلف اختلافاً شديداً باختلاف ما تقدم ، ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يقسم الله بهذه الظواهر والحقائق المتقابلة في الكون وفي الناس ، على أن سعي الناس مختلف وطرقهم مختلفة ، ومن ثم فجزاؤهم مختلف كذلك ؛ فليس الخير كالشر ، وليس الهدى كالضلال ، وليس الصلاح كالفساد ، وليس من أعطى واتقى كمن بخل واستغنى ، وليس من صدق وآمن كمن كذب وتولى . وأن لكل طريقا ، ولكل مصيرا ، ولكل جزاء وفاقا ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ يأتي الهدف النهائي من كلّ هذه الأقسام بقوله سبحانه : ( إن سعيكم لشتى ) اتجاهات سعيكم مختلفة ، ونتائجها مختلفة أيضاً ، هذا يعني أن أفراد البشر لا يستقرون في حياتهم على حال . . . بل هم في سعي مستمر . . . وفي استثمار دائم للطاقة التي أودعها اللّه في نفوسهم . . . فانظر أيّها الإنسان في أي مسير تبذل هذه الطاقة التي هي رأس مال وجودك . . . في أيّ اتجاه . . . وفي سبيل أيّة غاية ؟ ! حذار من تبديد كلّ هذه الطاقات في سبيل نتيجة تافهة . . . وحذار من بيعها بثمن بخس ! «شتى » جمع «شتيت » من مادة «شتَّ » أيّ فرّق الجمع ، وهنا بمعنى التفرق والتشعب في المساعي من حيث الكيفية والهدف والنتيجة . ...