تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ} (4)

الآية 4 : وقوله تعالى : { إن سعيكم لشتى } قالوا : على هذا وقع القسم .

فإن قيل : إن كلا يعلم من كافر ومؤمن أن سعيكم لمختلف ، فما الحكمة والفائدة من ذكر القسم على ما يعلم كل ذلك ؟ .

( قيل : الوجه ){[23719]} فيه ، والله أعلم أن ما يقع لهم بالسعي وما يستوجبون به مختلف في الآخرة ، وهو جزاء السعي ، كأنه قال : إن جزاء سعيكم وثوابه لمختلف ، وذلك أنهم كانوا يقولون إن كانت دار أخرى على ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم فنحن أحق بها من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : { ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا } ( الكهف : 36 ) أو أن يكون قوله : { إن سعيكم لشتى } لأن المعطي في الشاهد ينفع غيره ، ويضر نفسه في الظاهر ، والممسك ينفع نفسه ( ويضر غيره ){[23720]} ثم المعطي محمود عند الناس . فلو لم تكن عاقبة ، ينتفع المعطي بما أعطى ، ويضر البخيل المنع لكان الناس بما حمدوا هذا ، وذموا الآخر ، سفهاء . دل{[23721]} أن العاقبة ، هي التي تصيّر هذا محمودا ، وأن الخلق جميعا من مسلم وكافر ومحسن ومسيء ، قد استووا في نعم هذه الدنيا ولذّاتها بما ذكرنا من ممر الليل والنهار مما يخلق فيهما من النبات والثمار والعيون والأشجار .

فإذا وقع الاستواء في هذه الدار ، وبه وردت الأخبار عن النبي المختار أن الناس شركاء في الماء والنار والكلإ ، فلا{[23722]} بد من دار أخرى للأشقياء والأبرار ليقع بها التفاوت بين الأبرار والأشرار أو النافع منهم نفسه والضار .

وإذا ثبت أنهما استويا في منافع الليل والنهار وجميع ما في الدنيا من الأنزال وغيرها ، فإذا وقع الاستواء بينهم في الدنيا فلا بد من دار أخرى يقع التفاوت والتفاضل بينهم ، وفيها يميز ما ذكرنا .


[23719]:في الأصل وم: فالوجه
[23720]:من نسخة الحرم المكي: ساقطة من الأصل وم
[23721]:في الأصل وم: فدل
[23722]:الفاء ساقطة من الأصل وم