نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ} (4)

ولما ذكر ما هو محسوس التخالف من المعاني والأجرام ، أتبعه ما هو معقول التباين من الأعراض فقال : { إن سعيكم } أي عملكم أيها المكلفون في التوصل إلى مقصد واحد ، ولذلك أكده لأنه لا يكاد يصدق اختلاف وجوه السعي مع اتحاد المراد ، وعبر بالسعي ليبذل كل في عمله غاية جهده { لشتى * } أي مختلف اختلافاً شديداً باختلاف ما تقدم ، وهو جمع شتيت كقتلى وقتيل ، فيكون الإنسان رجلاً وهو أنثى الهمة ، ويكون أنثى وهو ذكر الفعل ، فتنافيتم في الاعتقادات ، وتعاندتم في المقالات ، وتباينتم غاية التباين بأفعال طيبات وخبيثات ، فساع في فكاك نفسه ، وساع في إيثامها ، فعلم قطعاً أنه لا بد من محق ومبطل ومرض ومغضب لأنه لا جائز أن يكون المتنافيان متحدين في الوصف بالإرضاء أو الإغضاب ، فبطل ما أراد المشركون من قولهم

{ لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء }[ النحل : 35 ] الآية وما ضاهاها .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما بين قبل حالهم في الافتراق ، أقسم سبحانه على ذلك الشأن في الخلائق بحسب تقديره أزلاً ليبلوهم أيهم أحسن عملاً فقال تعالى : { إن سعيكم لشتى } فاتصل بقوله تعالى { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها }[ الشمس : 10 ] ثم إن قوله تعالى { فأما من أعطى واتقى - إلى - العسرى } يلائمه تفسيراً وتذكيراً بما الأمر عليه من كون الخير والشر بإرادته وإلهامه وبحسب السوابق قوله :

{ فألهمها فجورها وتقواها }[ الشمس : 8 ] فهو سبحانه الملهم للإعطاء والاتقاء والتصدق ، والمقدر للبخل والاستغناء والتكذيب

{ والله خلقكم وما تعملون }[ الصافات : 96 ]

{ لا يسئل عما يفعل }[ الأنبياء : 23 ] ثم زاد ذلك إيضاحاً بقوله تعالى " إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى } فتباً للقدرية والمعتزلة

{ وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون }[ يوسف : 105 ] - انتهى .