القول في تأويل قوله تعالى : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرّمِيمِ } .
يقول تعالى ذكره : وفِي عادٍ أيضا ، وما فعلنا بهم لهم آية وعبرة إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرّيحَ العَقِيمَ يعني بالريح العقيم : التي لا تلقح الشجر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن خَصِيف ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : الريح العقيم : الريح الشديدة التي لا تُلْقح شيئا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : الرّيحَ العَقِيمِ قال : لا تلقح الشجر ، ولا تثير السحاب .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، هذا الريح العقيم ، قال : ليس فيها رحمة ولا نبات ، ولا تلقح نباتا .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سليمان أبو داود ، قال : أخبرنا شعبة ، عن شاس ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : الرّيحَ العَقِيم قال : لا تلقح .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا شيخ من أهل خراسان من الأزد ، ويكنى أبا ساسان ، قال : سألت الضحاك بن مزاحم ، عن قوله : الرّيحَ العَقِيمَ قال : الريح التي ليس فيها بركة ولا تلقح الشجر .
حدثنا محمد بن عبد الله الهلاليّ ، قال : حدثنا أبو عليّ الحنفيّ ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الحارث بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول : الرّيحَ العَقِيمَ الجنوب .
حدثنا أحمد بن الفرج ، قال : حدثنا ابن أبي فديك ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن يقول : العقيم : يعني : الجنوب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وفِي عادٍ إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرّيحَ العَقِيمَ إن من الريح عقيما وعذابا حين ترسل لا تلقح شيئا ، ومن الريح رحمة يثير الله تبارك وتعالى بها السحاب ، وينزل بها الغيث . وذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «نُصِرْتُ بالصبّا وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدّبُورِ » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، بمثله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : الرّيحَ العَقِيمَ قال : الريح التي لا تنبت .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : الرّيحَ العَقِيمَ : التي لا تلقح شيئا .
حدثني ابن حَميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال الرّيحَ العَقِيمَ : التي لا تنبت شيئا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وفِي عادٍ إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرّيحَ العَقِيمَ قال : إن الله تبارك وتعالى يُرسل الريح بُشرا بين يدي رحمته ، فيحيي به الأصل والشجر ، وهذه لا تلقح ولا تحيى ، هي عقيم ليس فيها من الخير شيء ، إنما هي عذاب لا تلقح شيئا ، وهذا تلقح ، وقرأ وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وفي عاد إذ أرسلنا عليهم} باليمن {الريح العقيم} التي تهلك ولا تلقح الشجر ولا تثير السحاب، وهي عذاب على من أرسلت عليه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وفِي عادٍ أيضا، وما فعلنا بهم لهم آية وعبرة.
"إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرّيحَ العَقِيمَ" يعني بالريح العقيم: التي لا تلقح الشجر... عن ابن عباس، قوله: "الرّيحَ العَقِيمِ" قال: لا تلقح الشجر، ولا تثير السحاب...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{الريح العقيم}... تفسيرها ما ذكر في الآية التالية: {ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرّميم}... العقيم هو الذي لا خير فيه ولا بركة، أي عقِمَت عن الخيرات، ولذلك يقال للمرأة التي لا تلد والرجل الذي لا يولد له: العقيم لما أنه ليس منهما منفعة الولد ولا بركته، فعلى ذلك الريح العقيم، أي لا منفعة فيها ولا بركة. فأما للمؤمنين فهي نافعة حين أهلكت أعداءهم، ولم تُهلِكهم. وفي ذلك تطهير الأرض من نجاسة الكفر...
{وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم}...
ذكر أن المقصود هاهنا تسلية قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتذكيره بحال الأنبياء، ولم يذكر في عاد وثمود أنبياءهم، كما ذكر إبراهيم وموسى عليهما السلام، نقول في ذكر الآيات ست حكايات: حكاية إبراهيم عليه السلام وبشارته، وحكاية قوم لوط ونجاة من كان فيها من المؤمنين، وحكاية موسى عليه السلام، وفي هذه الحكايات الثلاث ذكر الرسل والمؤمنين، لأن الناجين فيهم كانوا كثيرين، أما في حق إبراهيم وموسى عليهما السلام فظاهر، وأما في قوم لوط فلأن الناجين، وإن كانوا أهل بيت واحد، ولكن المهلكين كانوا أيضا أهل بقعة واحدة. وأما عاد وثمود وقوم نوح فكان عدد المهلكين بالنسبة إلى الناجين أضعاف ما كان عدد المهلكين بالنسبة إلى الناجين من قوم لوط عليه السلام. فذكر الحكايات الثلاث الأول للتسلية بالنجاة، وذكر الثلاث المتأخرة للتسلية بإهلاك العدو، والكل مذكور للتسلية بدليل قوله تعالى في آخر هذه الآيات: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} إلى أن قال: {فتول عنهم فما أنت بملوم * وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}. وفي هود قال بعد الحكايات: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك} إلى أن قال: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} فذكر بعدها ما يؤكد التهديد، وذكر بعد الحكايات هاهنا ما يفيد التسلي...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وفي عاد} أي آية عظيمة {إذ} أي حين {أرسلنا} بعظمتنا {عليهم} إرسال علو وأخذ {الريح} فأتتهم تحمل سحابة سوداء وهي تذرو الرمل وترمي بالحجارة على كيفية لا تطاق {العقيم} أي التي لا ثمرة لها فلا تلقح شجراً ولا تنشئ سحاباً ولا تحمل مطراً ولا رحمة فيها ولا بركة فلذلك أهلكهم هلاك الاستئصال.