قوله تعالى : { فألقاها } على وجه الرفض ، ثم حانت منه نظرة { فإذا هي حية } صفراء من أعظم ما يكون من الحيات { تسعى } تمشي بسرعة على بطنها . وقال : في موضع آخر كأنها جان وهي الحية الصغيرة الخفيفة الجسم ، وقال : في موضع ثعبان وهو أكبر ما يكون من الحيات فأما الحية ، فإنها تجمع الصغير والكبير والذكر والأنثى . وقيل : الجان عبارة عن ابتداء حالها ، فإنها كانت حية على قدر العصا ، ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعباناً ، والثعبان : عبارة عن انتهاء حالها . وقيل : إنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان . قال محمد بن إسحاق : نظر موسى ، فإذا العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات صارت شعبتاها شدقين لها . والمحجن : عنقاً لها وعرفاً تهتز كالنيازك وعيناها تتقدان كالنار تمر بالصخرة العظيمة مثل الحلقة من الإبل ، فتلقمها وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها ويسمع لأسنانها صريف عظيم ، فلما عاين ذلك موسى ولى مدبراً وهرب ، ثم ذكر ربه ، فوقف استحياء منه ثم نودي : أن يا موسى أقبل وارجع حيث كنت ، فرجع وهو شديد الخوف .
فإذا هي حية تسعى . قال : خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ) :
ووقعت المعجزة الحارقة التي تقع في كل لحظة ؛ ولكن الناس لا ينتبهون إليها . وقعت معجزة الحياة . فإذا العصا حية تسعى . وكم من ملايين الذرات الميتة أو الجامدة كالعصا تتحول في كل لحظة إلى خلية حية ؛ ولكنها لا تبهر الإنسان كما يبهره أن تتحول عصا موسى حية تسعى ! ذلك إن الإنسان أسير حواسه ، وأسير تجاربه ، فلا يبعد كثيرا في تصوراته عما تدركه حواسه . وانقلاب العصا حية تسعى ظاهرة حسية تصدم حسه فينتبه لها بشدة . أما الظواهر الخفية لمعجزة الحياة الأولى ، ومعجزات الحياة التي تدب في كل لحظة فهي خفية قلما يلتفت إليها . وبخاصة أن الألفة تفقدها جدتها في حسه ، فيمر عليها غافلا أو ناسيا .
يقول الله جل جلاله : فألقاها موسى ، فجعلها الله حية تسعى ، وكانت قبل ذلك خشبة يابسة ، وعصا يتوكأ عليها ويهشّ بها على غنمه ، فصارت حية بأمر الله ، كما :
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، قال : حدثنا حفص بن جميع ، قال : حدثنا سماك بن حرب ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس قال : لما قيل لموسى : ألقها يا موسى ، ألقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى ولم تكن قبل ذلك حية قال : فمرّت بشجرة فأكلتها ، ومرّت بصخرة فابتلعتها قال : فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها قال : فولى مدبرا ، فنودي أن يا موسى خذها ، فلم يأخذها ثم نودي الثانية : أن خُذْهَا وَلا تخفْ ، فلم يأخذها فقيل له في الثالثة : إنّكَ مِنَ الاَمِنِين فأخذها .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال له ، يعني لموسى ربه : ألْقِها يا مُوسَى يعني فألْقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى فلَمّا رآها تَهْتَزّ كأنّها جانّ وَلّى مُدْبِرا ولَمْ يُعَقّبْ فنودي : يا مُوسَى لا تَخَفّ إنّي لا يَخافُ لَدَيّ المُرْسَلُونَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، قال ألْقِها يا مُوسَى فألْقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى تهتزّ ، لها أنياب وهيئة كما شاء الله أن تكون ، فرأى أمرا فظيعا ، فولى مُدْبِرا ، ولَم يُعقّب فناداه ربه : يا مُوسَى أقبلْ وَلا تخفْ سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.