اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَلۡقَىٰهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٞ تَسۡعَىٰ} (20)

" فَألْقَاهَا " على وجه الأرض ثم ينظر إليها " فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى " صفراء أعظم ما تكون من الحيات تمشي بسرعة{[23756]} لها عرف كعرف الفرَس ، وكان بين لحييها أربعون ذراعاً ، صارت شدقين لها والمِحجن عنقاً{[23757]} يهتز ، وعيناها متقدان كالنار ، وتمر بالصخرة{[23758]} العظيمة مثل الخلفة{[23759]} من الإبل فتلتقمها{[23760]} ، وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها ، ويسمع لأسنانها ( صريف{[23761]} عظيم ) {[23762]} {[23763]} .

وهذا خارق عظيم وبرهان قاطع على أن الذي يكلمه هو الذي يقول للشيء كُنْ فيكون .

فصل

والحكمة{[23764]} في قلب العصا حيَّةً في ذلك الوقت من وجوه :

أحدها{[23765]} : لتكون معجزةً لموسى -عليه السلام- يعرف بها نبوة نفسه ، لأنه عليه السلام -{[23766]}إلى هذا الوقت ما سمع إلا النداء . والنداء{[23767]} وإن كان مخالفاً للعادات إلا انه لم يكن معجزاً ، لاحتمال أن يكون ذلك من عادات{[23768]} الملائكة أو الجن ، فقلب العصا حيَّةً ليكون دليلاً قاهِراً{[23769]} على الممعجزة .

الثاني : أنه تعالى عرضَها عليه{[23770]} ليشاهدها أولاً ، فإذا شاهدها عند فرعون لا يخافها .

وثالثها{[23771]} : أنه كان راعياً فقيراً ثم نُصِّب للمِنْصبِ العظيمِ فلعله بقي يتعجب{[23772]} من ذلك ، فقلب العصا حيَّةً تنبيًّا على أني لما قدرت على ذلك ، فكيف يستبعد مني نصرة مثلك في إظهار الدين{[23773]} .

فإنْ قيل : كيف قال ههنا " حَيَّة " وفي موضع آخر " جَان " {[23774]} وهو الحية الخفية الصغيرة ، وقال في موضع{[23775]} " ثُعْبَانٌ " {[23776]} وهو أكبر ما يكون من الحيات ؟

فالجواب : أن الحيَّة اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير{[23777]} وأما الجَانَّ{[23778]} فقيل : عبارة عن ابتداء حالها فإنها{[23779]} كانت حيَّةً على قدر العصا ثم تورمت وتزايدت وانتفخت حتى صارت ثعباناً .

وقيل : كانت في عظم الثعبان{[23780]} وسرعة الجانِّ لقوله تعالى : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ }{[23781]} {[23782]} .

( و " تسعى " ){[23783]} يجوز أن تكون خبراً ثانياً{[23784]} عند من يجوز ذلك ويجوز أن تكون صفة ل " حَيَّةً " فلما عاين موسى ذلك " وَلَّى مُدْبِراً " {[23785]} ، وهرب


[23756]:انظر البغوي 5/417.
[23757]:في ب: عنقا وعرفا.
[23758]:في ب: بالهجوة. وهو تحريف.
[23759]:الخلفة: ما علق خلف الراكب.
[23760]:في ب: فتلفها. وهو تحريف.
[23761]:الصريف: صوت الأنياب والأبواب. اللسان (صرف).
[23762]:البغوي 5/417.
[23763]:في النسختين: صريفا عظيما.
[23764]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخرالرازي 22/28.
[23765]:في ب: الأول.
[23766]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23767]:والنداء: سقط من الأصل.
[23768]:في ب: عادة.
[23769]:في ب: قاطعا.
[23770]:في ب: عرض عليها. وهو تحريف.
[23771]:في ب: الثالث.
[23772]:في ب: متعجب.
[23773]:آخر ما نقله هنا من الفخر الرازي 22/28.
[23774]:في قوله تعالى: {كأنها جان} [النمل: 10]. [القصص: 31].
[23775]:في ب: في آخر.
[23776]:في قوله تعالى: {فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} [الأعراف: 107] [الشعراء: 32].
[23777]:في ب: الصغيرة والكبيرة. وهو تحريف.
[23778]:الجانّ: سقط من ب.
[23779]:في الأصل: فإنه. وهو تحريف.
[23780]:في ب: كانت من أعظم الحيات أو في أعظم الثعبان. وهو تحريف.
[23781]:[النمل: 10]، [القصص: 31].
[23782]:انظر البغوي 5/417، الفخر الرازي 22/28.
[23783]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23784]:انظر التبيان 2/888.
[23785]:من قوله تعالى: {فلما رآها تهتز كأنها جانّ ولّى مدبرا} [النمل: 10] [القصص: 31].