روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَأَلۡقَىٰهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٞ تَسۡعَىٰ} (20)

{ فألقيها } ريثما قيل له ألقها { فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى } تمشي وتنتقل بسرعة ، والحية اسم جنس ينطلق على الصغير والكبير والأنثى والذكر ، وقد انقلبت حين ألقاها عليه السلام ثعبانا وهو العظيم من الحيات كما يفصح عنه قوله تعالى : { فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } [ الأعراف : 107 ] وتشبيهها بالجان وهو الدقيق منها في قوله سبحانه : { فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ } [ النمل : 10 ] من حيث الجلادة وسرعة الحركة لا من حيث صغر الجثة فلا منافاة ، وقيل : إنها انقلبت حين ألقاها عليه السلام حية صفراء في غلظ العصا ثم انتفخت وغلظت فلذلك شبهت بالجان تارة وسميت ثعباناً أخرى ، وعبر عنها بالاسم العام للحالين ، والأول هو الأليق بالمقام مع ظهور اقتضاء الآية التي ذكرناها له وبعدها عن التأويل . وقد روي الإمام أحمد . وغيره عن وهب أنه عليه السلام حانت منه نظرة بعد أن ألقاها فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يرى يلتمس كأنه يبتغي شيئاً يريد أخذه يمر بالضخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها عيناه توقدان ناراً وقد عاد المحجن عرفا فيه شعر مثل النيازك وعاد الشعبتان فما مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف .

وفي بعض الآثار أن بين لحييه أربعين ذراعاً فلما عاين ذلك موسى عليه السلام ولي مدبراً ولم يعقب فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية ثم ذكر ربه سبحانه فوقف استحياء منه عز وجل ثم نودي يا موسى إلى ارجع حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف فأمره سبحانه وتعالى بأخذها وهو ما قص الله تعالى بقوله عز قائلاً :

من باب الإشارة : { فألقاها فَإِذَا هي حَيَّةٌ تسعى } [ طه : 20 ] فيه إشارة إلى ظهور أثر الجلال ولذلك خاف موسى عليه السلام فقال سبحانه : «خذها ولا تخف » فهذا الخوف من كمال المعرفة لأنه لم يأمن مكر الله تعالى ولو سبق منه سبحانه الايناس ، وفي بعض الآثار «يا موسى لا تأمن مكري حتى تجوز الصراط » .

وقيل : كان خوفه من فوات المنافع المعدودة ولذا علل النهي بقوله تعالى : { سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى } [ طه : 21 ] وهذا جهل بمقام موسى عليه السلام . وكذا ما قيل : إنه لما رأى الأمر الهائل فر حيث لم يبلغ مقام { فَفِرُّواْ إِلَى الله } [ الذاريات : 50 ] ولو بلغه لم يفر . وما قيل : أيضاً لعله لما حصل له مقام المكالمة بقي في قلبه عجب فأراه الله تعالى أنه بعد في النقص الإمكاني ولم يفارق عالم البشرية وما النصر والتثبيت إلا من عند الله تعالى وحده .