القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ إِنّمَآ أَدْعُو رَبّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً * قُلْ إِنّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } .
اختلفت القرّاء في قراءة قوله : قُلْ إنّمَا أدْعُو رَبي فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين على وجه الخبر «قال » بالألف ومن قرأ ذلك كذلك ، جعله خبرا من الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال ، فيكون معنى الكلام : وأنه لما قام عبد الله يدعوه تلبدوا عليه ، قال لهم : إنما أدعو ربي ، ولا أشرك به أحدا . وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قرّاء الكوفة على وجه الأمر من الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للناس الذين كادوا يكونوا عليك لبدا ، إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .
وجملة { قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحداً } بيان لجملة { يدعوه } .
وقرأ الجمهور { قال } بصيغة الماضي . وقرأه حمزة وعاصم وأبو جعفر { قل } بدون ألف على صيغة الأمر ، فتكون الجملة استئنافاً . والتقدير : أوحي إلي أنه لما قام عبد الله إلى آخره قل إنما أدعو ربي ، فهو من تمام ما أوحي به إليه .
و { إنما أدعو ربي } ، يفيد قصراً ، أي لا أدعو غيره ، أي لا أعبد غيره دونه .
وعطف عليه { ولا أشرك به أحداً } تأكيداً لمفهوم القصر ، وأصله أن لا يعطف فعطفه لمجرد التشريك للعناية باستقلاله بالإِبلاغ .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم انقطع الكلام، قال عز وجل: {قل إنما أدعوا ربي} وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة: إنك جئت بأمر عظيم لم نسمع مثله قط، وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذا الأمر، فأنزل الله تعالى: {قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا} معه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: " قُلْ إنّمَا أدْعُو رَبي":
فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين على وجه الخبر «قال» بالألف، ومن قرأ ذلك كذلك، جعله خبرا من الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال، فيكون معنى الكلام: وأنه لما قام عبد الله يدعوه تلبدوا عليه، قال لهم::إنما أدعو ربي، ولا أشرك به أحدا".
وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قرّاء الكوفة على وجه الأمر من الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل" يا محمد للناس الذين كادوا يكونوا عليك لبدا، "إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا". والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ففيه إخبار عن دينه أن دينه التوحيد: لا إشراك بالله تعالى، وإخبار عمّا يدعو الخلق إليه؛ وذلك توحيد الله تعالى والقيام بطاعته.
وجائز أن يكون هذا على إثر سؤال منهم ودعوتهم إلى عبادة الأصنام على ما ذكر في الأخبار أنهم قالوا: إنّا نعبد إلهك يوما، وتعبد آلهتنا يوما.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
(قال) للمتظاهرين عليه {إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّى} يريد: ما أتيتكم بأمر منكر، إنما أعبد ربي وحده {وَلآ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} وليس ذاك مما يوجب إطباقكم على مقتي وعداوتي. أو قال للجن عند ازدحامهم متعجبين: ليس ما ترون من عبادتي الله ورفضي الإشراك به بأمر يتعجب منه، إنما يتعجب ممن يدعو غير الله ويجعل له شريكاً.
أو قال الجن لقومهم ذلك حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وعندما تنتهي حكاية مقالة الجن عن هذا القرآن، وعن هذا الأمر، الذي فاجأ نفوسهم، وهز مشاعرهم وأطلعهم على انشغال السماء والأرض والملائكة والكواكب بهذا الأمر؛ وعلى ما أحدثه من آثار في نسق الكون كله؛ وعلى الجد الذي يتضمنه، والنواميس التي تصاحبه. عندما ينتهي هذا كله يتوجه الخطاب إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] في إيقاعات جادة صارمة حاسمة، بالتبليغ، والتجرد من هذا الأمر كله بعد التبليغ، والتجرد كذلك من كل دعوى في الغيب أو في حظوظ الناس ومقادرهم.. وذلك كله في جو عليه مسحة من الحزن والشجى تناسب ما فيه من جد ومن صرامة.