{ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ } أي : في وسط جهلهم بالحق ، ودعواهم أنهم هم{[550]} المحقون . { حَتَّى حِينٍ } أي : إلى أن ينزل العذاب بهم ، فإنهم لا ينفع فيهم وعظ ، ولا يفيدهم زجر ، وكيف يفيد من يزعم أنه على الحق ، ويطمع في دعوة غيره إلى ما هو عليه ؟ .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتّىَ حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنّمَا نُمِدّهُمْ بِهِ مِن مّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاّ يَشْعُرُونَ } .
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فدع يا محمد هؤلاء الذين تقطّعوا أمرهم بينهم زبرا ، في غَمْرَتِهِمْ في ضلالتهم وغيهم ، حَتّى حِينٍ يعني إلى أجل سيأتيهم عند مجيئه عذابي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حتى حِينٍ قال : في ضلالهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَذَرْهُم فِي غَمْرَتِهِمْ حتى حِينٍ قال : الغَمْرة : الغَمْر .
ثم ذكر تعالى أن كل فريق منهم معجب برأيه وضلالته وهذه غاية الضلال لأن المرتاب بما عنده ينظر في طلب الحق ومن حيث كان ذكر الأمم في هذه الآية مثالاً لقريش خاطب محمداً عليه السلام في شأنهم متصلاً بقوله { فذرهم } أي فذر هؤلاء الذين هم بمنزلة من تقدم و «الغمرة » ، ما عمهم من ضلالهم وفعل بهم فعل الماء الغمر{[8501]} لما حصل فيهم ، وقرأ عبد الرحمن «في غمراتهم » ، و { حتى حين } أي إلى وقت فتح فيهم غير محدود وفي هذه الآية موادعة منسوخة بآية السيف .
انتقال بالكلام إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وضمير الجمع عائد إلى معروف من السياق وهم مشركو قريش فإنهم من جملة الأحزاب الذين تقطعوا أمرهم بينهم زبراً ، أو هم عينهم : فمنهم من اتخذ إلهه العزى . ومنهم من اتخذ مناة ، ومنهم من اتخذ ذا الخلصة إلى غير ذلك .
والكلام ظاهره المتاركة ، والمقصود منه الإملاء لهم وإنذارهم بما يستقبلهم من سوء العاقبة في وقت ما . ولذلك نكر لفظ { حين } المجعول غاية لاستدراجهم ، أي زمن مبهم ، كقوله : { لا تأتيكم إلا بغتة } [ الأعراف : 187 ] .
والغمرة حقيقتها : الماء الذي يغمر قامة الإنسان بحيث يغرقه . وتقدم في قوله تعالى : { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت } في سورة الأنعام ( 93 ) . وإضافتها إلى ضميرهم باعتبار ملازمتها إياهم حتى قد عرفت بهم ، وذلك تمثيل لحال اشتغالهم بما هم فيه من الازدهار وترف العيش عن التدبر فيما يدعوهم إليه الرسول لينجيهم من العقاب بحال قوم غمرهم الماء فأوشكوا على الغرق وهم يحسبون أنهم يَسْبحون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.