اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَذَرۡهُمۡ فِي غَمۡرَتِهِمۡ حَتَّىٰ حِينٍ} (54)

ولما ذكر تفرقهم في دينهم أتبعه بالوعيد وقال : { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ } وهذا خطاب لنبينا - عليه السلام{[32991]} - ، أي : دع{[32992]} هؤلاء الكفار في جهلهم {[32993]} .

قوله : «في غَمْرتِهِمْ » مفعول ثان ل «ذَرْهُمْ » أي : اتركهم مستقرين «في غَمْرَتِهِمْ » ويجوز أن يكون ظرفاً للترك ، والمفعول الثاني محذوف . والغمرة في الأصل الماء الذي يغمر القامة ، والمغمر{[32994]} الماء الذي يَغْمُر الأرض ثم استعير ذلك للجهالة ، فقيل : فلانٌ في غمرة والمادة تدل على الغطاء{[32995]} والاستتار ومنه الغُمر - بالضم - لمن لم يجرب الأمور ، وغُمَار الناس وخمارهم زحامهم ، والغِمْر - بالكسر - الحقد ، لأنه يغطي القلب ، فالغمرات الشدائد ، والغامر : الذي يلقي نفسه في المهالك{[32996]} . وقال الزمخشري : الغمرة الماء الذي يغمر القامة ، فضربت لهم مثلاً لما هم فيه من جهلهم وعَمَايَتِهم ، أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لِمَا هُمْ{[32997]} عليه من الباطل كقوله :

كَأَنَّنِي ضَارِبٌ في غَمْرَةٍ لَعِب{[32998]} {[32999]} *** . . .

وقرأ أمير المؤمنين وأبو حيوة وأبو عبد الرحمن «غمراتهم » بالجمع{[33000]} ، لأنَّ لكل منهم غمرة تخصه . وقراءة العامة لا تأبى هذا المعنى ، فإنه اسم جنس مضاف {[33001]} .

قوله : «حَتَّى حِين » أي إلى أن يموتوا . وقيل : إلى حين المعاينة . وقيل : إلى حين العذاب{[33002]} .


[32991]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[32992]:في ب: ادع. وهو تحريف.
[32993]:انظر الفخر الرازي 23/106.
[32994]:في ب: والغمر.
[32995]:في ب: لفظا. وهو تحريف.
[32996]:انظر اللسان (غمر).
[32997]:هم: تكملة من الكشاف.
[32998]:عجز بيت من بحر البسيط قاله ذو الرمة وصدره: ليالي اللهو يطبيني فأتبعه *** ... وهو في الديوان 1/38، اللسان (غمر، طبى) وشرح شواهد الكشاف: (13). طباه يطبوه ويطبيه: إذا دعاه. أي: يدعوني اللهو في ليال كثيرة فأتبعه كأني سابح في لجة من الماء تغمر القامة.
[32999]:الكشاف 3/49 – 50.
[33000]:البحر المحيط 6/409.
[33001]:المرجع السابق.
[33002]:انظر الفخر الرازي 23/106.