فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَذَرۡهُمۡ فِي غَمۡرَتِهِمۡ حَتَّىٰ حِينٍ} (54)

{ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ { 54 ) }

كأن الخطاب في هذه الآية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في شأن قريش ، فقد دعوا إلى الإيمان بإله واحد هو ربهم ورب آبائهم رب السماوات والأرض ، رب العالمين ، رب البيت والبلد الأمين ، الذين أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ؛ فتركوا عبادة الله الواحد ، واتخذت كل قبيلة إلها من دون الله سبحانه ، ولو عقلوا لآمنوا بالخلاق العليم . الرزاق الكريم ، العزيز الحكيم ، الحي القيوم الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ؛ فهل من يخلق كمن لا يخلق ؟ وهل يعبد من لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ؟ فكيف إذا كانت أصنامهم لا تسمع ولا تبصر ، ولا تنطق ولا تعقل ، ولا تتحرك ولا على أي شيء تقدر ؟ ! لكن ضلال المشركين أعماهم عن الحق ، وفرحوا بما هم فيه من الغي والزيغ ؛ وتأبوا عن الاستجابة لنداء الهدى والرشد ، فتوعدهم الله بأنه ممهلهم إلى حين ، ووقت يحل بمجيئه عليهم الخزي والعذاب المهين ، في هذه الحياة الدنيا وفي يوم الدين ؛ مما أورد القرطبي : قوله تعالى : { حتى حين } قال مجاهد : حتى الموت ، فهو تهديد لا توقيت ؛ كما يقال : سيأتي لك يوم . اه . ونقل النيسابوري : أي إلى أن يقتلوا أو يموتوا ؛ والتحقيق : أنه الحالة التي يظهر عندها الحسرة والندامة ، وذلك إذا عرفهم الله بطلان ما كانوا عليه ، وعرفهم سوء منقلبهم ، فيشمل الموت والقبر والمحاسبة والنار ؛ وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونهي عن الجزع من تأخير عقابهم . اه .