البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَذَرۡهُمۡ فِي غَمۡرَتِهِمۡ حَتَّىٰ حِينٍ} (54)

الغمرة : الجهالة ، ورجل غمر غافل لم يجرب الأمور وأصله الستر ومنه الغمر للحقد لأنه يغطي القلب والغمر للماء الكثير لأنه يغطي الأرض والغمرة الماء الذي يغمر القامة والغمرات الشدائد ورجل غامر إذا كان يلقي نفسه في المهالك ودخل في غمار الناس أي في زحمتهم .

فخاطب رسوله في شأنهم بقوله { فذرهم في غمرتهم حتى حين } وهذا وعيد لهم حيث تقطعوا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقائل هو شاعر ، وقائل ساحر ، وقائل به جنة كما تقطع من قبلهم من الأمم كما قال { أتواصوا به بل هم قوم طاغون } قال الكلبي { في غمرتهم } في جهالتهم .

وقال ابن بحر : في حيرتهم .

وقال ابن سلام : في غفلتهم .

وقيل : في ضلالتهم { حتى حين } حتى ينزل بهم الموت .

وقيل : حتى يأتي ما وعدوا به من العذاب .

وقيل : هو يوم بدر .

وقيل : هي منسوخة بآية السيف .

وقرأ الجمهور { في غمرتهم } وعليّ بن أبي طالب وأبو حيوة والسلمي في غمراتهم على الجمع لأن لكل واحد غمرة ، وعلى قراءة الجمهور فغمرة تعم إذا أضيفت إلى عام .

وقال الزمخشري : الغمرة الماء الذي يغمر القامة فضربت مثلاً لما هم مغمورون فيه من جهلهم وعمايتهم ، أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم عليه من الباطل ، قال الشاعر :

كأني ضارب في غمرة لعب***

سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، ونهى عن الاستعجال بعذابهم والجزع من تأخره انتهى .

ثم وقفهم تعالى على خطأ رأيهم في أن نعمة الله عليهم بالمال ونحوه إنما هي لرضاه عن حالهم ، وبيّن تعالى أن ذلك إنما هو إملاء واستدراج إلى المعاصي واستجرار إلى زيادة الإثم وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ومعاجلة بالإحسان .