قال تعالى : { وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } استكبروا على عباد اللّه ، وساموهم سوء العذاب ، واستكبروا على رسل اللّه ، وما جاءوهم به من الآيات ، فكذبوها ، وزعموا أن ما هم عليه أعلى منها وأفضل .
{ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ } فلذلك{[603]} تجرأوا ، وإلا فلو علموا ، أو ظنوا أنهم يرجعون إلى اللّه ، لما كان منهم ما كان .
وقوله : { وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ } أي : طغوا وتجبروا ، وأكثروا في الأرض الفساد ، واعتقدوا أنه لا معاد ولا قيامة{[22324]} ، { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [ الفجر : 13 ، 14 ] ، ولهذا قال ها هنا : { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّالِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : واستكبر فرعون وجنوده في أرض مصر عن تصديق موسى ، واتباعه على ما دعاهم إليه من توحيد الله ، والإقرار بالعبودية له بغير الحقّ يعني تعدّيا وعتوّا على ربهم وَظَنّوا أنّهُمْ إلَيْنا لا يُرْجَعُونَ يقول : وحسبوا أنهم بعد مماتهم لا يبعثون ، ولا ثواب ، ولا عقاب ، فركبوا أهواءهم ، ولم يعلموا أن الله لهم بالمرصاد ، وأنه لهم مجاز على أعمالهم الخبيثة .
الاستكبار : أشد من الكبر ، أي تكبر تكبراً شديداً إذ طمع في الوصول إلى الرب العظيم وصول الغالب أو القرين .
و { جنوده } : أتباعه . فاستكباره هو الأصل واستكبار جنوده تبع لاستكباره لأنهم يتّبعونه ويتلقون ما يمليه عليهم من العقائد .
و { الأرض } يجوز أن يراد بها المعهودة ، أي أرض مصر وأن يراد بها الجنس ، أي في عالم الأرض لأنهم كانوا يومئذ أعظم أمم الأرض .
وقوله { بغير الحق } حال لازمة لعاملها إذ لا يكون الاستكبار إلا بغير الحق .
وقوله { وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } معلوم بالفحوى من كفرهم بالله ، وإنما صرح به لأهمية إبطاله فلا يكتفى فيه بدلالة مفهوم الفحوى ، ولأن في التصريح به تعريضاً بالمشركين في أنهم وإياهم سواء فليضعوا أنفسهم في أي مقام من مقامات أهل الكفر ، وقد كان أبو جهل يلقب عند المسلمين بفرعون هذه الأمة أخذاً من تعريضات القرآن .
ومعنى ذلك : ظنوا أن لا بعث ولا رجوع لأنهم كفروا بالمرجوع إليه . فذكر { إلينا } لحكاية الواقع وليس بقيد فلا يتوهم أنهم أنكروا البعث ولم ينكروا وجود الله مثل المشركين . وتقديم { إلينا } على عامله لأجل الفاصلة .
ويجوز أن يكون المعنى : وظنوا أنهم في منعة من أن يرجعوا في قبضة قدرتنا كما دل عليه قوله في سورة [ الشعراء : 24 - 25 ] { قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون } استعجاباً من ذلك . وعلى هذا الاحتمال فالتعريض بالمشركين باق على حاله فإنهم ظنوا أنهم في منعة من الاستئصال فقالوا { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } [ الأنفال : 32 ] .
قرأ نافع وحمزة والكسائي { لا يرجعون } بفتح ياء المضارعة من ( رجع ) . وقرأه الباقون بضمها من ( أرجع ) إذا فعل به الرجوع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.