مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱسۡتَكۡبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ إِلَيۡنَا لَا يُرۡجَعُونَ} (39)

أما قوله : { واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق } فاعلم أن الاستكبار بالحق إنما هو لله تعالى وهو المتكبر في الحقيقة أي المبالغ في كبرياء الشأن ، قال عليه السلام فيما حكى عن ربه : «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار » وكل مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق .

المسألة الثانية : قال الجبائي الآية تدل على أنه تعالى ما أعطاه الملك وإلا لكان ذلك بحق وهكذا كل متغلب ، لا كما ادعى ملوك بني أمية عند تغلبهم أن ملكهم من الله تعالى فإن الله تعالى قد بين في كل غاصب لحكم الله أنه أخذ ذلك بغير حق ، واعلم أن هذا ضعيف لأن وصول ذلك الملك إليه ، إما أن يكون منه أو من الله تعالى ، أو لا منه ولا من الله تعالى ، فإن كان منه فلم لم يقدر عليه غيره ، فربما كان العاجز أقوى وأعقل بكثير من المتولي للأمر ؟ وإن كان من الله تعالى فقد صح الغرض ، وإن كان من سائر الناس فلم اجتمعت دواعي الناس على نصرة أحدهما وخذلان الآخر ؟ واعلم أن هذا أظهر من أن يرتاب فيه العاقل .

أما قوله : { وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } فهذا يدل على أنهم كانوا عارفين بالله تعالى إلا أنهم كانوا ينكرون البعث فلأجل ذلك تمردوا وطغوا .