نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱسۡتَكۡبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ إِلَيۡنَا لَا يُرۡجَعُونَ} (39)

ولما قال هذا مريداً به - كما تقدم - إيقاف قومه عن إتباع الحق ، أتبعه تعالى الإشارة إلى أنهم فعلوا ما أراد ، وإن كان ذلك هو الكبر عن الحق فقال تعالى : { واستكبر } أي وأوجد الكبر بغاية الرغبة فيه { هو } بقوله هذا الذي صدهم به عن السبيل { وجنوده } بانصدادهم لشدة رغبتهم في الكبر على الحق والاتباع للباطل { في الأرض } أي أرض مصر ، ولعله عرفها إشارة إلى أنه لو قدر على ذلك في غيرها فعل { بغير الحق } أي استكباراً مصحوباً بغير هذه الحقيقة ، والتعبير بالتعريف يدل على أن التعظيم بنوع من الحق ليس كبراً وإن كانت صورته كذلك ، وأما تكبره سبحانه فهو بالحق كله ، وعطف على ذلك ما تفرع عنه وعن الغباوة أيضاً ولذا لم يعطفه بالفاء ، فقال : { وظنوا } أي فرعون وقومه ظناً بنوا عليه اعتقادهم في أصل الدين الذي لا يكون إلا بقاطع { أنهم إلينا } أي إلى حكمنا خاصة الذي يظهر عنده انقطاع الأسباب { لا يرجعون* } أي لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فلذلك اجترؤوا على ما ارتكبوه من الفساد .