يقول متحسرًا على ما فرط في جنب الله : { يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } الدائمة الباقية ، عملًا صالحًا ، كما قال تعالى : { يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } .
وفي الآية دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في أصلها وكمالها{[1426]} ، وفي تتميم لذاتها ، هي الحياة في دار القرار ، فإنها دار الخلد والبقاء .
وجملة : { يقول يا ليتني } الخ يجوز أن يكون قولاً باللسان تحسراً وتندماً فتكون الجملة حالاً من { الإنسان } أو بدل اشتمال من جملة { يتذكر } فإن تذكره مشتمل على تحسر وندامة . ويجوز أن يكون قوله في نفسه فتكون الجملة بياناً لجملة { يتذكر } .
ومفعول { قدمت } محذوف للإِيجاز .
واللام في قوله : { لحياتي } تحتمل معنى التوقيت ، أي قدمت عند أزمان حياتي فيكون المراد الحياة الأولى التي قبل الموت . وتحتمل أن يكون اللام للعلة ، أي قدمت الأعمال الصالحة لأجل أن أحيا في هذه الدار . والمراد : الحياة الكاملة السالمة من العذاب لأن حياتهم في العذاب حياةُ غشاوة وغياب قال تعالى : { ثم لا يموت فيها ولا يحيى } [ الأعلى : 13 ] .
وحرف النداء في قوله : { يا ليتني } للتنبيه اهتماماً بهذا التمني في يوم وقوع .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال يخبر عن حالهم وما يقولون في الآخرة إذا عاينوا النار ، فقال :{ يقول يا ليتني قدمت لحياتي } في الدنيا لآخرتي...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن تلهّف ابن آدم يوم القيامة ، وتندّمه على تفريطه في الصّالِحات من الأعمال في الدنيا التي تورثه بقاء الأبد ، في نعيم لا انقطاع له : يا ليتني قدمت لحياتي في الدنيا من صالح الأعمال لحياتي هذه ، التي لا موت بعدها ، ما ينجيني من غضب الله ، ويوجب لي رضوانه . ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي يا ليتني قدمت لنفسي حياة ، تسلم لي ، أو حياة تبقى لي لذتها . ... هو أن الكافر ، وإن كانت له حياة في الظاهر فإنما حياته للتعذيب ، فتلك له في الحقيقة ليست بحياة ، بل هي هلاك . ألا ترى أن الإنسان إذا أخذ في النزع ، فهو في ذلك الوقت حي بعد ؟ لكن حياته للهلاك ، فليست هي في الحقيقة حياة ، لكنها للهلاك فعلى ذلك حياة المخلد في النار . ...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وهو في معنى قوله : ( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ) أي الحياة الدائمة ، والمعنى هاهنا : لحياتي في الآخرة .
أحدهما : { يا ليتني قدمت } في الدنيا التي كانت حياتي فيها منقطعة ، لحياتي هذه التي هي دائمة غير منقطعة ، وإنما قال : { لحياتى } ولم يقل : لهذه الحياة على معنى أن الحياة كأنها ليست إلا الحياة في الدار الآخرة ، قال تعالى : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } أي لهي الحياة .
وثانيها : أنه تعالى قال في حق الكافر : { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } وقال : { فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى } وقال : { ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى } فهذه الآية دلت على أن أهل النار في الآخرة كأنه لا حياة لهم ، والمعنى فيا ليتني قدمت عملا يوجب نجاتي من النار حتى أكون من الأحياء . ...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وفي الآية دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في أصلها وكمالها ، وفي تتميم لذاتها ، هي الحياة في دار القرار ، فإنها دار الخلد والبقاء . ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
" يقول : يا ليتني قدمت لحياتي " . . يا ليتني قدمت شيئا لحياتي هنا . فهي الحياة الحقيقية التي تستحق اسم الحياة . وهي التي تستأهل الاستعداد والتقدمة والادخار لها . يا ليتني . . أمنية فيها الحسرة الظاهرة ، وهي أقسى ما يملكه الإنسان في الآخرة ! ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
واللام في قوله : { لحياتي } تحتمل معنى التوقيت ، أي قدمت عند أزمان حياتي فيكون المراد الحياة الأولى التي قبل الموت . وتحتمل أن يكون اللام للعلة ، أي قدمت الأعمال الصالحة لأجل أن أحيا في هذه الدار . والمراد : الحياة الكاملة السالمة من العذاب لأن حياتهم في العذاب حياةُ غشاوة وغياب قال تعالى : { ثم لا يموت فيها ولا يحيى } [ الأعلى : 13 ] . وحرف النداء في قوله : { يا ليتني } للتنبيه اهتماماً بهذا التمني في يوم وقوع . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وفي قولته نكتة لطيفة ، فهو لا يقول قدّمت لآخرتي بل «لحياتي » ، وكأنّ المعنى الحقيقي للحياة لا يتجسد إلاّ في الآخرة .... نعم ، ففي دنياهم : يسرقون أموال اليتامى ، لم يطعموا المساكين ، يأخذون من الإرث أكثر ممّا يستحقون ويحبّون المال حبّاً جمّاً . وفي أخراهم ، يقول كلّ منهم : يا ليتني قدّمت لحياتي الحقيقية الباقية . . ولكنّ التمني ليس أكثر من رأس مال المفلسين . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.