مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي} (24)

ثم شرح تعالى ما يقوله هذا الإنسان فقال تعالى : { يقول يا ليتني قدمت لحياتي } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : للآية تأويلات :

أحدهما : { يا ليتني قدمت } في الدنيا التي كانت حياتي فيها منقطعة ، لحياتي هذه التي هي دائمة غير منقطعة ، وإنما قال : { لحياتى } ولم يقل : لهذه الحياة على معنى أن الحياة كأنها ليست إلا الحياة في الدار الآخرة ، قال تعالى : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } أي لهي الحياة .

وثانيها : أنه تعالى قال في حق الكافر : { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } وقال : { فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى } وقال : { ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى } فهذه الآية دلت على أن أهل النار في الآخرة كأنه لا حياة لهم ، والمعنى فياليتني قدمت عملا يوجب نجاتي من النار حتى أكون من الأحياء .

وثالثها : أن يكون المعنى : فياليتني قدمت وقت حياتي في الدنيا ، كقولك جئته لعشر ليال خلون من رجب .

المسألة الثانية : استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن الاختيار كان في أيديهم ومعلقا بقصدهم وإرادتهم وأنهم ما كانوا محجوبين عن الطاعات مجترئين على المعاصي ( وجوابه ) : أن فعلهم كان معلقا بقصدهم ، فقصدهم إن كان معلقا بقصد آخر لزم التسلسل ، وإن كان معلقا بقصد الله فقد بطل الاعتزال .