4 - إذا زُلزلت الأرض واهتزت اهتزازاً شديداً ، وفتتت الجبال تفتيتاً دقيقاً ، فصارت غباراً متطايراً{[217]} .
- ثم إذا الجبال الصلبة الراسية تتحول - تحت وقع الواقعة - إلى فتات يتطاير كالهباء . . ( وبست الجبال بسا . فكانت هباء منبثا ) . . فما أهول هذا الهول الذي يرج الأرض رجا ، ويبس الجبال بسا ، ويتركها هباء منبثا . وما أجهل الذين يتعرضون له وهم مكذبون بالآخرة ، مشركون بالله ، وهذا أثره في الأرض والجبال !
وهكذا تبدأ السورة بما يزلزل الكيان البشري ، ويهول الحس الإنساني ، تجاه القضية التي ينكرها المنكرون ، ويكذب بها المشركون .
وقوله : { فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا } ، قال أبو إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، رضي الله عنه : { هَبَاءً مُنْبَثًّا } كرهَج الغبار يسطع ثم يذهب ، فلا يبقى منه شيء .
وقال العَوْفِيّ عن ابن عباس في قوله : { فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا } : الهباء الذي يطير من النار ، إذا اضطرمت{[27987]} يطير منه الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئا .
وقال عكرمة : المنبث : الذي ذرته الريح وبثته . وقال قتادة : { هَبَاءً مُنْبَثًّا } كيبيس الشجر الذي تذروه{[27988]} الرياح .
وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة ، وذهابها وتسييرها ونسفها - أي قلعها - وصيرورتها كالعهن المنفوش .
و «الهباء » : ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة ، ولا يكاد يرى إلا في الشمس إذا دخلت من كوة ، قاله ابن عباس ومجاهد . وقال قتادة : الهباء : ما تطاير من يبس النبات{[10877]} . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الهباء : ما تطاير من حوافر الخيل والدواب . وقال ابن عباس أيضاً ، الهباء : ما تطاير من شرر النار ، فإذا طفي لم يوجد شيئاً . والمنبث : بتالتاء المثلثة ، الشائع في جميع الهواء .
وقرأ النخعي : «منبتاً » بالتاء بنقطتين ، أي متقطعاً ، ذكر ذلك الثعلبي .
وتفريع { فكانت هباءً منبثاً } على { بُسّت الجبال } لائق بمعنيي البسّ لأن الجبال إذا سيّرت فإنما تُسيّر تسييراً يفتتها ويفرقها ، أي تسييرَ بَعْثَرَة وارتطام .
والهباء : ما يلوح في خيوط شعاع الشمس من دقيق الغبار ، وتقدم عند قوله تعالى : { فجعلناه هباء منثوراً } في سورة الفرقان ( 23 ) .
والمنْبَثُّ : اسم فاعل انبثَّ ، مطاوع بثَّه ، إذا فرّقه . واختير هذا المطاوع لمناسبته مع قوله : و{ بست الجبال } في أن المبني للنائب معناه كالمطاوعة ، وقوله : { فكانت هباءً منبثاً } تشبيه بليغ ، أي فكانت كالهباء المنبث .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فكانت} يقول فصارت بعد القوة والشدة... من الخوف {هباء منبثا} يعني الغبار الذي تراه في الشمس إذا دخل من الكوة في البيت، والمنبث الذي ليس بشيء، والهباء المنثور الذي يسطع من حوافر الخيل من الغبار.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا "اختلف أهل التأويل في معنى الهباء؛
فقال بعضهم: هو شعاع الشمس الذي يدخل من الكوّة كهيئة الغبار...
وقال آخرون: هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له...
وقال آخرون: هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح...
وأما قوله: "مُنْبَثّا" فإنه يعني متفرّقا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
الهباء الذي يكون فوق النار إذا خمدت، لا يكون غيره... وفيه إخبار عن شدة ذلك اليوم وهوله أنه يفعل بالجبال كذا مع صلابتها وطاعتها الله تعالى، فكيف يفعل بكم يا بني آدم مع ضعفكم وكفركم ومعصيتكم؟ والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والانبثاث: افتراق الأجزاء الكثيرة في الجهات المختلفة.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فكانت} أي بسبب ذلك {هباء} غباراً هو في غاية الانمحاق، وإلى شدة لطافته أشار بصيغة الانفعال فقال: {منبثاً} أي منتشراً متفرقاً بنفسه من غير حاجة إلى هواء يفرقه...