يقول الله تعالى : { أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا .
وقال السدي : هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا . وكذا قال الربيع بن أنس ، وقتادة وغير واحد من السلف والخلف ، حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، فيما رواه ابن وهب عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : " لا يدخلن{[2032]} علينا قصبة المدينة إلا مؤمن " . فقال رؤساؤهم{[2033]} من أهل الكفر والنفاق : اذهبوا فقولوا : آمنا ، واكفروا إذا رجعتم إلينا ، فكانوا يأتون المدينة بالبُكَر ، ويرجعون إليهم بعد العصر . وقرأ قول الله تعالى : { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ آل عمران : 72 ]
وكانوا يقولون ، إذا دخلوا المدينة : نحن مسلمون . ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره . فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر . فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون . وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون{[2034]} فيقولون : أليس قد قال الله لكم كذا وكذا ؟ فيقولون : بلى . فإذا رجعوا إلى قومهم [ يعني الرؤساء ]{[2035]} قالوا : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } الآية{[2036]} .
وقال أبو العالية : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } يعني : بما أنزل الله عليكم في كتابكم من نعت{[2037]} محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ } قال : كانوا يقولون : سيكون نبي . فخلا بعضهم ببعض{[2038]} فقالوا : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ }{[2039]} .
قول آخر في المراد بالفتح : قال ابن جُرَيج : حدثني القاسم بن أبي بَزَّة ، عن مجاهد ، في قوله تعالى : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم ، فقال : " يا إخوان{[2040]} القردة والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت " ، فقالوا : من أخبر بهذا{[2041]} الأمر محمدًا ؟ ما خرج هذا القول{[2042]} إلا منكم { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } بما حكم الله ، للفتح ، ليكون لهم حجة عليكم . قال ابن جريج ، عن مجاهد : هذا حين أرسل إليهم عليا{[2043]} فآذوا محمدًا صلى الله عليه وسلم .
وقال السدي : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } من العذاب { لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ } هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عُذِّبوا به . فقال بعضهم لبعض : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } من العذاب ، ليقولوا : نحن أحب إلى الله منكم ، وأكرم على الله منكم .
وقال عطاء الخراساني : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } يعني : بما قضى [ الله ]{[2044]} لكم وعليكم .
وقال الحسن البصري : هؤلاء اليهود ، كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض ، قال بعضهم : لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ، فيحاجوكم{[2045]} به عند ربكم ، فيخصموكم .
وقوله : { أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } قال أبو العالية : يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به ، وهو{[2046]} يجدونه مكتوبًا عندهم . وكذا قال قتادة .
وقال الحسن : { أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } قال : كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخلا بعضهم إلى بعض ، تناهوا أن يخبر أحد{[2047]} منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليهم مما في كتابهم ، خشيةَ أن يحاجهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما في كتابهم عند {[2048]} ربهم . { وَمَا يُعْلِنُونَ } يعني : حين قالوا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : آمنا . وكذا قال أبو العالية ، والربيع ، وقتادة .
{ أولا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } ( 77 )
وقرأ الجمهور » أولا يعلمون «بالياء من أسفل ، وقرأ ابن محيصن » أولا تعلمون «بالتاء خطاباً للمؤمنين ، والذي أسروه كفرهم ، والذي أعلنوه قولهم آمنا ، هذا في سائر اليهود ، والذي أسره الأحبار صفة محمد صلى الله عليه وسلم والمعرفة به ، والذي أعلنوه الجحد به ، ولفظ الآية يعم الجميع .