قولُه تعالى : { أَو لاَ يَعْلَمُونَ } فإنه إلى آخره تجهيلٌ لهم من جهته تعالى فيما حكى عنهم فيكون إيرادُ خطاب المؤمنين في أثنائه من قَبيل الفصل بين الشجرِ ولِحائِه . على أن في تخصيص الخطاب بالمؤمنين من التعسف - وفي تعميمِه للنبي أيضاً صلى الله عليه وسلم كما في أتطمعون - من سوء الأدب - ما لا يخفى ، والهمزةُ للإنكار والتوبيخ كما قبلها ، والواوُ للعطف على مقدَّر ينساقُ إليه الذهنُ ، والضميرُ للموبَّخين أي أيلومونهم على التحديث المذكورِ مخافةَ المُحاجَّةِ ولا يعلمون { أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } أي يُسرُّونه فيما بينهم من المؤمنين أو ما يُضْمرونه في قلوبهم فيثبتُ الحكمُ في ذلك بالطريق الأولى { وَمَا يُعْلِنُونَ } أي يظهرونه للمؤمنين أو لأصحابهم حسبما سبق فحينئذ يُظهرُ الله تعالى للمؤمنين ما أرادوا إخفاءَه بواسطة الوحْي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فتحصُلُ المحاجَّة ويقعُ التبكيت ، كما وقع في آية الرجم وتحريمِ بعضِ المحرماتِ عليهم ، فأيُّ فائدةٍ في اللوم والعتاب ؟ .
ومن ههنا تبين أن المحظورَ عندهم هو المُحاجّة بما فتحَ الله عليهم - وهي حاصلةٌ في الدارَيْن حدَّثوا به أم لا - لا بالتحديث به حتى يندفعَ بالإخفاء ، وقيل : الضميرُ للمنافقين فقط أو لهم وللموبَّخين أو لآبائهم المحرِّفين أي أيفعلون ما يفعلون ولا يعلمون أن الله يعلم جميعَ ما يُسِرُّون وما يعلنون ومن جملته إسرارُهم الكفرَ وإظهارُهم الإيمانَ وإخفاءُ ما فتح الله عليهم وإظهارُ غيرِه وكتمُ أمرِ الله وإظهارُ ما أظهروه افتراءً . وإنما قُدم الإسرارُ على الإعلان للإيذان بافتضاحهم ووقوعِ ما يحذرونه من أول الأمر ، والمبالغةِ في بيان شمولِ علمِه المحيطِ لجميع المعلومات كأن علمَه بما يُسرونه أقدمُ منه بما يعلنونه مع كونهما في الحقيقة على السوية فإن علمَه تعالى بمعلوماته ليس بطريقِ حصولِ صُورِها ، بل وجودُ كلِّ شيءٍ في نفسه عِلْمٌ بالنسبة إليه تعالى . وفي هذا المعنى لا يختلف الحالُ بين الأشياء البارزةِ والكامنةِ ونظيره قولُه عز وعلا : { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ الله } [ آل عمران ، الآية 29 ] حيث قُدم فيه الإخفاءُ على الإبداء لما ذُكر من السر على عكس ما وقع في قوله تعالى : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ الله } [ البقرة ، الآية 284 ] فإن الأصلَ في تعلق المحاسبة به هو الأمورُ الباديةُ دون الخافية ، ويجوز أن يكون ذلك باعتبار أن مرتبة السرِّ متقدمةٌ على مرتبة العلنِ إذ ما من شيء يُعلَنُ إلا وهو أو مَباديه قبل ذلك مُضْمرٌ في القلب يتعلق به الإسرارُ غالباً فتعلُقُ علمِه تعالى بحالته الأولى متقدمٌ على تعلقِه بحالته الثانية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.