اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَلَا يَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ} (77)

قوله : { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ } تقدم أن مذهب الجمهور أن النّية بالواو والتقديم على الهمزة ؛ لأنها عاطفة ، وإنما أخرت عنها ، لقوة همزة الاستفهام ، وأن مذهب الزمخشري تقدير فعل بعد الهمزة و " لا " للنفي .

و { أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ } في محلّ نصب وفيها حينئذ تقديران :

أحدهما : أنها سادّة مسدّ مفرد إن جعلنا " علم " بمعنى " عرف " .

والثاني : أنها سادّة مسدّ مفعولين إن جعلناها متعدية لاثنين ك " ظننت " ، وقد تقدم أن هذا مذهب سيبويه والجمهور ، وأن الأخفش يدعي أنها سدّت مسدّ الأول ، والثاني محذوف . و " ما " يجوز أن تكون بمعنى " الذي " ، وعائدها محذوف ، أي : ما يسرونه ويعلنونه ، وأن تكون مصدرية ، أي : يعلم سرهم وعلانيتهم . [ والسر ]{[6]} والعلانية يتقابلان .

وقرأ ابن محيصن{[7]} " تسرون " و " تعلنون " بالتاء على الخطاب .

فصل في أن المراد بالسؤال هو التخويف والزجر

في الآية قولان :

الأول : وهو قول الأكثرين أن اليهود كانوا يعرفون أن الله يعلم السّر والعلانية ، فخوّفهم به .

والثاني : أنهم ما علموا بذلك ، فرغبهم بهذا القول في أن يتفكّروا ، فيعرفوا أن ربهم يعلم سرهم وعلانيتهم ، وأنهم لا يأمنون حلول العِقَابِ بسببِ نِفَاقِهِمْ ، وعلى كلا القولين فهذا الكلام زَجْر لهم عن النفاق ، وعن وصية بعضهم بعضاً بكتمان دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

والأقرب أن اليهود المخاطبين بذلك كانوا عالمين بذلك ؛ لأنه لا يكاد يقال على طريق الزجر : أو لا يعلم كيف وكيت ، إلاّ وهو عالم بذلك الشيء ، ويكون ذلك زاجراً له عن ذلك الفعل .

فصل في الاستدلال بالآية على أمور

قال القاضي : الآية تدلّ على أمور منها :

أنه تعالى إن كان هو الخالق لأفعال العباد ، فكيف يصح أن يزجرهم عن تلك الأقوال والأفعال ، ومنها أنها تدلّ على صحّة الحجاج والنظر وأن ذلك قد كان على طريقة الصّحابة والمؤمنين .

ومنها أنها تدلّ على أن الآتي بالمعصية مع العلم بكونها معصية يكون أعظم جرماً .


[6]:سقط من: ب.
[7]:تقدم.