الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{أَوَلَا يَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ} (77)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون} في الخلا

{وما يعلنون} في الملإ، فيقول بعضهم لبعض: أتحدثونهم بأمر محمد صلى الله عليه وسلم، أولا يعلمون حين قالوا: إنا نجد محمدا في كتابنا وإنا لنعرفه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

أو لا يعلم هؤلاء اللائمون من اليهود إخوانهم من أهل ملتهم، على كونهم إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وعلى إخبارهم المؤمنين بما في كتبهم من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبعثه، القائلون لهم: {أتُحَدّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ ليُحاجوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبّكُمْ}، أن الله عالم بما يسرّون فيخفونه عن المؤمنين في خلائهم من كفرهم وتلاومهم بينهم على إظهارهم ما أظهروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به من الإقرار بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى قيلهم لهم آمنا، ونهي بعضهم بعضا أن يخبروا المؤمنين بما فتح الله للمؤمنين عليهم، وقضى لهم عليهم في كتبهم من حقيقة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ومبعثه، وما يعلنون فيظهرونه لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابه المؤمنين به إذا لقوهم من قيلهم لهم: آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به نفاقا وخداعا لله ولرسوله وللمؤمنين... عن قتادة: {أوَ لا يَعْلَمُونَ أنّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرّونَ} من كفرهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم إذا خلا بعضهم إلى بعض، {وما يُعْلِنُونَ} إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا آمنا ليرضوهم بذلك.

[و] عن أبي العالية: {أوَ لا يَعْلَمُونَ أنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} يعني ما أسرّوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به، وهم يجدونه مكتوبا عندهم. {وَما يُعْلِنُونَ} يعني ما أعلنوا حين قالوا للمؤمنين آمنا.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والذي أسروه كفرهم، والذي أعلنوه قولهم آمنا، هذا في سائر اليهود، والذي أسره الأحبار صفة محمد صلى الله عليه وسلم والمعرفة به، والذي أعلنوه الجحد به، ولفظ الآية يعم الجميع...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون}... فيه قولان،

الأول: وهو قول الأكثرين إن اليهود كانوا يعرفون الله ويعرفون أنه تعالى يعلم السر والعلانية فخوفهم الله به.

الثاني: أنهم ما علموا بذلك، فرغبهم بهذا القول في أن يتفكروا فيعرفوا أن لهم ربا يعلم سرهم وعلانيتهم، وأنهم لا يأمنون حلول العقاب بسبب نفاقهم.

وعلى القولين جميعا، فهذا الكلام زجر لهم عن النفاق، وعن وصية بعضهم بعضا بكتمان دلائل نبوة محمد.

والأقرب أن اليهود المخاطبين بذلك كانوا عالمين بذلك، لأنه لا يكاد يقال على طريق الزجر: أولا يعلم [كذا وكذا] إلا وهو عالم بذلك الشيء، ويكون ذلك الشيء زاجرا له عن ذلك الفعل،

وقال بعضهم: هؤلاء اليهود كيف يستجيزون أن يسر إلى إخوانهم النهي عن إظهار دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم ليسوا كالمنافقين الذين لا يعلمون الله، ولا يعلمون كونه عالما بالسر والعلانية، فشأنهم من هذه الجهة أعجب...

قال القاضي: الآية تدل على أمور.

أحدها:... أنها تدل على صحة الحجاج والنظر وأن ذلك كان طريقة الصحابة والمؤمنين وأن ذلك كان ظاهرا عند اليهود حتى قال بعضهم لبعض ما قالوه.

و [ثانيها]: أنها تدل على أن الحجة قد تكون إلزامية، لأنهم لما اعترفوا بصحة التوراة وباشتمالها على ما يدل على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، لا جرم لزمهم الاعتراف بالنبوة ولو منعوا إحدى تينك المقدمتين لما تمت الدلالة.

و [ثالثها]: أنها تدل على أن الآتي بالمعصية مع العلم بكونها معصية يكون أعظم جرما و وزرا...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

ثم وبخهم توبيخا يتلى فقال: {أولا يعلمون} الآية. فهو استفهام معناه التوبيخ والتقريع...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

أسَرَّ الشيء: أخفاه، وأعلنه: أظهره.

{أوَ لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون}: هذا توبيخ من الله لهم، أي إذا كان علم الله محيطاً بجميع أفعالهم، وهم عالمون بذلك، فكيف يسوغ لهم أن ينافقوا ويتظاهروا للمؤمنين بما يعلم الله منهم خلافه، فلا يجامع حالة نفاقهم بحالة علمهم بأن الله عالم بذلك والأولى حمل ما يسرون وما يعلنون على العموم، إذ هو ظاهر اللفظ...

وفيه تنبيه لهم على جهلهم بعالم السر والعلانية، ويحتمل أن يكون خطاباً لهم، وفائدته التنبيه على سماع ما يأتي بعده، ثم أعرض عن خطابهم وأعاد الضمير إلى الغيبة، إهمالاً لهم، فيكون ذلك من باب الالتفات، ويكون حكمته في الحالتين ما ذكرناه. وظاهر هذا الاستفهام أنه تقرير لهم أنهم عالمون بذلك، أي بأن الله يعلم السر والعلانية، أي قد علموا ذلك، فلا يناسبهم النفاق والتكذيب بما يعلمون أنه الحق.

وقيل: ذلك تقريع لهم وحث على التفكر، فيعلمون بالتفكر ذلك. وذلك أنهم لما اعترفوا بصحة التوراة، وفيها ما يدل على نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لزمهم الاعتراف بالربوبية، ودل على أن المعصية، مع علمهم بها، أقبح.

وفي هذه الآية وما أشبهها دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغضي عن المنافقين، مع أن الله أظهره على نفاقهم، وذلك رجاء أن يؤمنوا، فأغضى عنهم، حتى قبل الله منهم من قبل، وأهلك من أهلك.

تفسير ابن عرفة 803 هـ :

عطْف « يُعْلِنُونَ» على « يُسِرُّونَ» تأكيدٌ ليدل اللفظ عليه بالمطابقة واللّزوم، وأفاد العطف التسوية بين علمه السر والجهر.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

قولُه تعالى: {أَو لاَ يَعْلَمُونَ} فإنه إلى آخره تجهيلٌ لهم من جهته تعالى فيما حكى عنهم فيكون إيرادُ خطاب المؤمنين في أثنائه من قَبيل الفصل بين الشجرِ ولِحائِه. على أن في تخصيص الخطاب بالمؤمنين من التعسف -وفي تعميمِه للنبي أيضاً صلى الله عليه وسلم كما في أتطمعون- من سوء الأدب -ما لا يخفى،

والهمزةُ للإنكار والتوبيخ كما قبلها، والواوُ للعطف على مقدَّر ينساقُ إليه الذهنُ، والضميرُ للموبَّخين أي أيلومونهم على التحديث المذكورِ مخافةَ المُحاجَّةِ ولا يعلمون

{أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} أي يُسرُّونه فيما بينهم من المؤمنين أو ما يُضْمرونه في قلوبهم فيثبتُ الحكمُ في ذلك بالطريق الأولى

{وَمَا يُعْلِنُونَ} أي يظهرونه للمؤمنين أو لأصحابهم حسبما سبق فحينئذ يُظهرُ الله تعالى للمؤمنين ما أرادوا إخفاءَه بواسطة الوحْي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتحصُلُ المحاجَّة ويقعُ التبكيت، كما وقع في آية الرجم وتحريمِ بعضِ المحرماتِ عليهم، فأيُّ فائدةٍ في اللوم والعتاب؟. ومن ههنا تبين أن المحظورَ عندهم هو المُحاجّة بما فتحَ الله عليهم- وهي حاصلةٌ في الدارَيْن حدَّثوا به أم لا -لا بالتحديث به حتى يندفعَ بالإخفاء... وإنما قُدم الإسرارُ على الإعلان للإيذان بافتضاحهم ووقوعِ ما يحذرونه من أول الأمر، والمبالغةِ في بيان شمولِ علمِه المحيطِ لجميع المعلومات كأن علمَه بما يُسرونه أقدمُ منه بما يعلنونه مع كونهما في الحقيقة على السوية فإن علمَه تعالى بمعلوماته ليس بطريقِ حصولِ صُورِها، بل وجودُ كلِّ شيءٍ في نفسه عِلْمٌ بالنسبة إليه تعالى. وفي هذا المعنى لا يختلف الحالُ بين الأشياء البارزةِ والكامنةِ ونظيره قولُه عز وعلا: {قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ الله} [آل عمران، الآية 29] حيث قُدم فيه الإخفاءُ على الإبداء لما ذُكر من السر على عكس ما وقع في قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ الله} [البقرة، الآية 284] فإن الأصلَ في تعلق المحاسبة به هو الأمورُ الباديةُ دون الخافية، ويجوز أن يكون ذلك باعتبار أن مرتبة السرِّ متقدمةٌ على مرتبة العلنِ إذ ما من شيء يُعلَنُ إلا وهو أو مَباديه قبل ذلك مُضْمرٌ في القلب يتعلق به الإسرارُ غالباً فتعلُقُ علمِه تعالى بحالته الأولى متقدمٌ على تعلقِه بحالته الثانية...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

{أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون}

أي أيقول اللائمون ما قالوا، ويكتمون من صفات النبي صلى الله عليه وسلم ما كتموا، ويحرفون من كتابهم ما حرفوا؟ ولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون من كفر وكيد، وما يعلنون من إظهار إيمان وود، فإن كانوا يؤمنون بأن الله محيط بكل شيء علما، فلم لا يخشون بأسه، وهو المطلع على الظاهر، والعالم بما يجول في الضمائر، والمجازي على ذلك بالخزي في الدنيا والعذاب المهين في الآخرة؟...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّه يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}، فليست المسألة في قيام الحجة عليهم عند اللّه أنهم يحدّثون المسلمين بما في التوراة، بل المسألة هي المعرفة التي يملكونها، فيتحملون مسؤولياتها تجاه أنفسهم وتجاه النّاس الآخرين في الإقرار بالحقّ، والإيمان به، والدعوة إليه في كلّ مكان وزمان...