{ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } التي أمرهم باستماعها والاهتداء بها ، { لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } أي لم يقابلوها بالإعراض عنها والصمم عن سماعها وصرف النظر والقلوب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق ، وإنما حالهم فيها وعند سماعها كما قال تعالى : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتسليم لها ، وتجد عندهم آذانا سامعة وقلوبا واعية فيزداد بها إيمانهم ويتم بها إيقانهم وتحدث لهم نشاطا ويفرحون بها سرورا واغتباطا .
ومن سماتهم أنهم سريعو التذكر إذا ذكروا ، قريبو الاعتبار إذا وعظوا ، مفتوحو القلوب لآيات الله ، يتلقونها بالفهم والاعتبار :
( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ) .
وفي التعبير تعريض بالمشركين الذين ينكبون على آلهتهم وعقائدهم وأباطيلهم كالصم والعميان ؛ لا يسمعون ولا يبصرون ، ولا يتطلعون إلى هدى أو نور . وحركة الانكباب على الوجوه بلا سمع ولا بصر ولا تدبر حركة تصور الغفلة والانطماس والتعصب الأعمى . فأما عباد الرحمن ، فهم يدركون إدراكا واعيا بصيرا ما في عقيدتهم من حق ، وما في آيات الله من صدق ، فيؤمنوا إيمانا واعيا بصيرا ، لا تعصبا أعمى ولا انكبابا على الوجوه ! فإذا تحمسوا لعقيدتهم فإنما هي حماسة العارف المدرك البصير .
وقوله : { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } [ و ]{[21668]} هذه من صفات المؤمنين { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [ الأنفال : 2 ] ، بخلاف الكافر ، فإنه إذا سمع كلام الله لا يؤثر فيه ولا يُقْصر عما كان عليه ، بل يبقى مستمرا على كفره وطغيانه وجهله وضلاله ، كما قال تعالى : { وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 124 - 125 ] .
فقوله : { لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } أي : بخلاف الكافر الذي ذكر بآيات ربه ، فاستمر على حاله ، كأن لم يسمعها أصم أعمى .
قال مجاهد : قوله : { لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } لم يسمعوا : ولم يبصروا ، ولم يفقهوا شيئًا .
وقال الحسن البصري : كم من رجل يقرؤها ويخر عليها أصم أعمى .
وقال قتادة : قوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } يقول : لم يصموا عن الحق ولم يعموا فيه ، فهم - والله - قوم عقلوا عن الله{[21669]} وانتفعوا بما{[21670]} سمعوا من كتابه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أسيد بن عاصم ، حدثنا عبد الله بن حُمْران ، حدثنا ابن عَوْن قال : سألت الشعبي قلت : الرجل يرى القوم سجودا ولم يسمع ما سجدوا ، أيسجد معهم ؟ قال : فتلا هذه الآية : { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } يعني : أنه لا يسجد معهم لأنه لم يتدبر آية السجدة{[21671]} فلا ينبغي للمؤمن أن يكون إمعة ، بل يكون على بصيرة من أمره ، ويقين واضح بَيِّن .
{ والذين إذا ذكروا بآيات ربهم } بالوعظ أو القراءة . { لم يخروا عليها صما وعميانا } لم يقيموا عليها غير واعين لها ولا متبصرين بما فيها كمن لا يسمع ولا يبصر ، بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية ، فالمراد من النفي نفي الحال دون الفعل كقولك لا يلقاني زيد مسلما وقيل الهاء للمعاصي المدلول عليها { باللغو } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.