{ فَقَدَرْنَا } أي : قدرنا ودبرنا ذلك الجنين ، في تلك الظلمات ، ونقلناه من النطفة إلى العلقة ، إلى المضغة ، إلى أن جعله الله جسدا ، ثم نفخ فيه الروح ، ومنهم من يموت قبل ذلك .
{ فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } [ يعني بذلك نفسه المقدسة ] حيث كان قدرا تابعا للحكمة ، موافق للحمد{[1325]} .
وقوله : إلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ يقول : إلى وقت معلوم لخروجه من الرحم عند الله ، فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة : «فَقَدّرْنا » بالتشديد . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بالتخفيف .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وإن كنت أوثر التخفيف لقوله : فَنِعْمَ القادِرُونَ ، إذ كانت العرب قد تجمع بين اللغتين ، كما قال : فَمَهّلِ الْكافِرِينَ أمْهِلْهُمْ رُوَيْدا فجمع بين التشديد والتخفيف ، كما قال الأعشى :
وأنْكَرَتْنِي وَما كانَ الّذِي نَكِرَتْ *** مِنَ الْحَوَادِثِ إلاّ الشّيْبَ والصّلَعا
وقد يجوز أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحدا . فإنه محكيّ عن العرب ، قُدِر عليه الموت ، وقُدّر بالتخفيف والتشديد . وعنى بقوله : فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ ما :
حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن ابن المبارك عن جويبر ، عن الضحاك فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ قال : فملكنا فنعم المالكون .
وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونافع والكسائي «فقدّرنا » بشد الدال ، وقرأ الباقون «فقدَرنا » بتخفيف الدال ، وهما بمعنى من القدرة ، والقدر من التقدير والتوقيف وقوله { القادرون } يرجع قراءة الجماعة . أما أن ابن مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر القادرين بالمقدرين . وقدر ابن أبي عبلة «فقدّرنا » بشد الدال «فنعم المقتدرون »
والمعنى : فقدرنا الخلق كقوله تعالى : { من نطفة خلقه فقدَّره } [ عبس : 19 ] وقوله : { وخلق كل شيء فقدره تقديراً } [ الفرقان : 2 ] .
والفاء في قوله : { فقدّرنا } للتفريع على قوله : { فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم } ، أي جعلناه في الرحم إلى انتهاء أمد الحمل فقدرنا أطوار خلقكم حتى أخرجناكم أطفالاً .
والفاء في { فنعم القادرون } للتفريع على ( قدّرنا ) أي تفريع إنشاء ثناء ، أي فدل تقديرُنا على أننا نعم القادرون ، أي كان تقديرنا تقدير أفضل قادر ، وهذا تنويه بذلك الخلق العجيب بالقدرة .
و { القادرون } : اسم فاعل من قدَر اللازم إذا كان ذا قُدرة وبذلك يكون الكلام تأسيساً لا تأكيداً ، أي فنعم القادرون على الأشياء .
وعلامة الجمع للتعظيم مثل نون ( قَدّرنا ) فإن القدرة لما أتت بما هو مقتضى الحكمة كانت قدرة جديرة بالمدح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.