الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَقَدَرۡنَا فَنِعۡمَ ٱلۡقَٰدِرُونَ} (23)

" فقدرنا " وقرأ نافع والكسائي " فقدرنا " بالتشديد . وخفف الباقون ، وهما لغتان بمعنى . قاله الكسائي والفراء والقتبي . قال القتبي : قدرنا بمعنى قدرنا مشددة : كما تقول : قدرت كذا وقدرته ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الهلال : [ إذا غم عليكم فاقدروا له ] أي قدروا له المسير والمنازل . وقال محمد بن الجهم عن الفراء : " فقدرنا " قال : وذكر تشديدها عن علي رضي الله عنه ، تخفيفها ، قال : ولا يبعد أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحدا ؛ لأن العرب تقول : قدر عليه الموت وقدر : قال الله تعالى : " نحن قدرنا بينكم الموت " [ الواقعة : 60 ] قرئ بالتخفيف ، والتشديد ، وقدر عليه رزقه وقدر . قال : واحتج الذين خففوا فقالوا : لو كانت كذلك لكانت فنعم المقدرون . قال الفراء : وتجمع العرب بين اللغتين . قال الله تعالى : " فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " [ الطارق : 17 ] قال الأعشى :

وأنْكَرَتْنِي وما كان الذي نَكِرَتْ *** من الحوادث إلا الشَّيْبَ والصَّلَعَا

وروي عن عكرمة " فقدرنا " مخففة من القدرة ، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم والكسائي لقوله : " فنعم القادرون " ومن شدد فهو من التقدير ، أي فقدرنا الشقي والسعيد فنعم المقدرون . رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : المعنى قدرنا قصيرا أو طويلا . ونحوه عن ابن عباس : قدرنا ملكنا . المهدوي : وهذا التفسير أشبه بقراءة التخفيف .

قلت : هو صحيح فإن عكرمة هو الذي قرأ " فقدرنا " مخففا قال : معناه فملكنا فنعم المالكون ، فأفادت الكلمتان معنيين متغايرين ، أي قدرنا وقت الولادة وأحوال النطفة في التنقيل من حالة إلى حالة حتى صارت بشرا سويا ، أو الشقي والسعيد ، أو الطويل والقصير ، كله على قراءة التشديد . وقيل : هما بمعنى كما ذكرنا .