اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَقَدَرۡنَا فَنِعۡمَ ٱلۡقَٰدِرُونَ} (23)

قوله تعالى : { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون } ، قرأ نافع{[59037]} والكسائي : بالتشديد من التقدير ، وهو موافق لقوله تعالى : { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } [ عبس : 19 ] .

والباقون : بالتخفيف ، من القدرة ، ويدل عليه { فَنِعْمَ القادرون } .

ويجوزُ أن يكون المعنى على القراءة الأولى : فنعم القادرون على تقديره : وإن جعلت «القادرون » بمعنى «المقدرون » كان جمعاً بين اللَّفظين ، ومعناهما واحد ، ومنه قوله تعالى : { فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [ الطارق : 17 ] ؛ وقول الأعشى : [ البسيط ]

5057- وأنْكرَتْنِي وقَدْ كَانَ الَّذِي نَكرَتْ *** مِنَ الحَوادثِ إلاَّ الشَّيْبَ والصَّلْعَا{[59038]}

وقال الكسائي والفراء : هما لغتان بمعنى .

قال القتيبي : «قَدَرْنَا » بمعنى «قَدَّرْنَا » مشددة ، كما تقول : قدرت كذا وقدرته ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الهلال : «إذَا غُمَّ عَليْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ » أي : قدروا له المسير والمنازل .

وقال محمد بن الجهم عن الفرَّاء : أنه ذكر تشديدها عن علي - رضي الله عنه - وتخفيفها .

قال : ولا يبعُد أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحداً ، لأن العرب تقول : قدر عليه الموت وقدر ، قال تعالى : { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت } [ الواقعة : 60 ] قرئ بالتخفيف والتشديد ، وقدر عليه رزقه وقدر ، واحتج الذين خففوا فقالوا : لو كانت كذلك لكانت «فنِعْمَ المُقدِّرُونَ » .

قال الفراء : والعرب تجمع بين اللُّغتين ، واستدل بقوله : { فَمَهِّلِ الكافرين } الآية ، [ الطارق : 17 ] وذكر بيت الأعشى المتقدم .

وقيل : المعنى قدَّرنا قصيراً وطويلاً ، ونحوه عن ابن عبَّاس : قدرنا ملكنا .

قال المهدوي : وهذا التفسير أشبه بقراءة التخفيف .


[59037]:ينظر: السبعة 666، والحجة 6/365، وإعراب القراءات 2/428، وحجة القراءات 743.
[59038]:ينظر ديوان الأعشى ص 105، والمحتسب 2/298، والخصائص 3/310، ومعاني القرآن للفراء 3/224، ومجاز القرآن 1/293، والأمالي لأبي علي القالي 3/631، واللسان نكر، والدر المصون 6/456.