فإذا انتهى هذا التوجيه الإلهي للنبي الكريم ، اتجه السياق إلى بيان ما ينذر به الآخرين ، في لمسة توقظ الحس لليوم العسير ، الذي ينذر بمقدمه النذير :
( فإذا نقر في الناقور . فذلك يومئذ يوم عسير . على الكافرين غير يسير ) . .
والنقر في الناقور ، هو ما يعبر عنه في مواضع أخرى بالنفخ في الصور . ولكن التعبير هنا أشد إيحاء بشدة الصوت ورنينه ؛ كأنه نقر يصوت ويدوي . والصوت الذي ينقر الآذان أشد وقعا من الصوت الذي تسمعه الآذان . .
وقوله : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } قال ابن عباس ، ومجاهد والشعبي ، وزيد بن أسلم ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي ، وابن زيد : { النَّاقُورِ } الصور . قال مجاهد : وهو كهيئة القرن .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أسباط بن محمد ، عن مُطَرِّف ، عن عطية العوفي ، عن ابن عباس : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ } فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟ " فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " .
وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسباط ، به{[29481]} ورواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب ، عن ابن فضيل وأسباط ، كلاهما عن مطرف ، به . ورواه من طريق أخرى ، عن العوفي ، عن ابن عباس ، به{[29482]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ * ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مّمْدُوداً } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : فَإذَا نُفِخَ فِي الصّورِ ، فذلك يومئذ يوم شديد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن فضيل وأسباط ، عن مطرّف ، عن عطية العوفيّ ، عن ابن عباس ، في قوله فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ فَذلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ وَحَنى جَبْهَتَهُ يَسْتَمعُ مَتى يُؤْمَرُ يَنْفُخُ فِيهِ » ، فقال أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف نقول ؟ فقال : «تقولون : حَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، عَلى اللّهِ تَوَكّلْنا » .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أبو رجاء ، عن عكرِمة ، في قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : إذا نُفخ في الصور .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن عكرِمة ، في قوله فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ مثله .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن جابر ، عن مجاهد فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : إذا نُفخ في الصور .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : في الصور ، قال : هي شيء كهيئة البوق .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : هو يوم يُنفخ في الصور الذي ينفخ فيه قال ابن عباس : إن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه ، فقال : «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ ، وَحَنى جَبْهَتَهُ ، ثُمّ أقْبَلَ بأُذُنِهِ يَسْتَمِعُ مَتى يُؤْمَرُ بالصّيْحَة » فاشتدّ ذلك على أصحابه ، فأمرهم أن يقولوا : «حَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، على اللّهِ تَوَكّلْنا » .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ يقول : الصور .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال الحسن : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : إذا نُفخ في الصّور .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ والناقور : الصور ، والصور : الخلق .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ يعني : الصّور .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : الناقور : الصور .
حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : الصور .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَذَلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ يقول : شديد .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله تعالى ذكره : فَذلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ فبين الله على من يقع على الكافرين غير يسير .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَذَلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ يقول : شديد .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله تعالى ذكره : فَذلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ فبين الله على من يقع على الكافرين غير يسير .
فإذا نقر نفخ في الناقور في الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت والفاء للسببية كأنه قال اصبر على زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وأعداؤك عاقبة ضرهم وإذا ظرف لما دل عليه قوله :فذلك يومئذ يوم عسير لأن معناه عسر الأمر على الكافرين وذلك إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ خبره يوم عسير و يومئذ بدل أو ظرف لخبره إذ التقدير فذلك الوقت وقت وقوع يوم عسير .
الفاء لتسبب هذا الوعيد عن الأمر بالإِنذار في قوله { فأنذر } [ المدثر : 2 ] ، أي فأنذر المنذَرين وأنذرهم وقتَ النقر في الناقور وما يقع يومئذٍ بالذين أُنذروا فأعرضوا عن التذكرة ، إذ الفاء يجب أن تكون مرتبطة بالكلام الذي قبلها .
ويجوز أن يكون معطوفاً على { فاصبر } [ المدثر : 7 ] بناء على أنه أمر بالصبر على أذى المشركين .
و { الناقور } : البوق الذي ينادى به الجيش ويسمى الصُّور وهو قرن كبير ، أو شبهُه ينفخ فيه النافخ لنداء ناس يجتمعون إليه من جيش ونحوه ، قال خُفاف بن نَدْبَةَ :
إذا نَاقورُهم يوماً تَبَدَّى *** أجاب الناسُ من غرب وشَرق
ووزنه فاعول وهو زنة لما يقع به الفعل من النقْر وهو صوت اللسان مثل الصفير فقوله نُقر ، أي صُوِّت ، أي صوَّت مُصَوِّتٌ . وتقدم ذكر الصور في سورة الحاقة .
و ( إذا ) اسم زمان أضيف إلى جملة { نقر في الناقور } وهو ظرف وعامله ما دل عليه قوله : { فَذلك يومئذٍ يوم عسير } لأنه في قوة فِعْل ، أي عَسُر الأمرُ على الكافرين .